يلتقي السلفي المغربي مع ما يسمى ب"العقلاني" المغربي المنسلخ عن هويته الثقافية في الإستهزاء من بعض أشكال ثقافتنا المغربية ومنها المواسم والأضرحة المرتبطة بها.
"العقلاني" هنا كما السلفي وجهان لعملة واحدة هي تبخيس الناس معتقداتهم الروحية والثقافية بدلا من تنقيحها وإزالة ما هو خرافي منها لتحافظ على خصوصيتها الثقافية المغربية.
- السلفي في المغرب يريد بايديولوجيته السلفية سلخ المغاربة عن هويتهم بتبديع (من البدعة) المواسم التي ترتبط بالأولياء والقديسين، وتبديع القراءة الجماعية للقرآن، والدعاء الجماعي في المساجد، وتكريم الفقهاء و"الطلبة" باستدعائهم في المناسبات الإجتماعية للأسر المغربية.. وتبديع التجمعات الدينية الثقافية مثل "لمعروف/لمعاريف"، والتجمعات الروحية لمريدي الزوايا (الدرقاوية والتيجانية والبودشيشية...)، وتبديع الإحتفالات الإعتقادية مثل "بلغنحا، بيلماون، إمعشارن، لالا تاغلا..."...
- من يصف نفسه ب"العقلاني" في بلدنا يسقط أحيانا بدوره في إيديولوجية السلفي وهو لا يدري، فيحارب المواسم والأضرحة بدعوى محاربة الخرافة،وكلاهما أي السلفي، وما يسمى بالعقلاني المنسلخ عن هويته المغربية يلتقيان الطرفان في نفس الهدف، لكن السلفي يعطي بديلا ونموذجا لما ينتقده ويحاول هدمه، ونموذجه الثقافي والسياسي هو الوهابية أو الإخوانية أوالسلفية المتطرفة...، في حين من يصف نفسه ب "العقلاني" المغربي يقطع مع جذوره الثقافية ليقفز الى بديل كوني هلامي منقطعا بذلك عن ثقافته فينفصل عنها وعن جذوره، ليصبح مثل غراب ابن المقفع..
- الإستهزاء من أضرحة "الأولياء" هو هروب من إصلاح المجتمع، وإصلاح المجتمع ثقافيا وفكريا وحقوقيا هو الإنطلاق من ثقافة هذا المجتمع، فالمثل الأمازيغي يقول في هذا الشأن: " أژرو ن تمازيرت أسا ئبنا يان". الإصلاح يعتمد على إعطاء البديل والنضال من أجل تحقيقه، فالمواطن الذي يتوفر على حقوقه الأساسية كمجانية الإستشفاء ممثلة في مستوصف مجهز في منطقته لن يحتاج الى الضريح، ليتجه اليه طالبا من صاحبه الشفاء من مرض ما لم يجد دواءه في المستوصف..
فالهدم سهل لكن البناء صعب؛ والبناء يتطلب قراءة تميزنا الثقافي والإنطلاق منه نحو الفكر الإنساني والكوني، لكن بقاعدة ثقافية متجذرة، ولنا مثال في الصراع الذي احتدم حول مدونة المرأة بين الإسلاميين الذين اعتمدوا على المرجعية الشرقية، وبين الحركات النسوية التقدمية التي اعتمدت على المرجعية الكونية الغربية،وكلا الطرفين انقطعا عن جذورهما الثقافية المغربية، وكان من الممكن ان تكون الجذور ممثلة في الثقافة الأمازيغية قاعدة الإنطلاق إلى ما هو كوني (فقه النوازل).
- تبخيس المعتقد لا يكون بتبخيس الأضرحة (من بعض من يدعي العقلانية ) ولاهدم الأضرحة ( كما تريد السلفية اسوة بالوهابية)، كما ان تمجيد وتقديس الأضرحة (بتشجيع ممن يستفيد من ارباحها) هوعرقلة لتطوير المجتمع..
- الأضرحة جزء من ثقافتنا شئنا أم أبينا، كما يقول المثل الأمازيغي "ؤر اد تسنتلت تافوكت س تالونت".., الأضرحة مرتبطة بواقع اقتصادي واجتماعي وثقافي عريق في ثقافتنا ولا يمكن محوه، ما يجب ان نقوم به هو ربطها بالتنمية لتكون فعالة في تنمية بعض المناطق المغربية (وهي فعلا تساهم في هذه التنمية: المواسم، والسياحة الثقافية: المزارات ومنها المزارات اليهودية...)، ومع نشر التعليم ستسقط حتما عن الأضرحة بعض الممارسات الغيبية والخرافية التي تلتصق بها، لتبقى وسيلة روحية، وما يرتبط بها اي بالأضرحة من مواسم اقتصادية واجتماعية وثقافيا تساهم في التنمية...