عبد الرفيع حمضي: غزة…زمن الوضوح

عبد الرفيع حمضي: غزة…زمن الوضوح عبد الرفيع حمضي
لم يكن غريبا، ان يثير الاتفاق الثلاثي المغربي الأمريكي الاسرائيلي للعاشر من ديسمبر 2020 كل تلك ردود الفعل، سواء على المستوى الدولي او العربي او الوطني. وذلك ليس فقط لكون المملكة المغربية رقم اساسي في معادلة العالم العربي والاسلامي. ومواقفه دائما يحسب لها، أو لأن السياسة الخارجية المغربية اسست لنفسها مدرسة متوازنة، كما يشير إلى ذلك الأستاذ رشيد الحديكي في مؤلفه la politique étrangère sous le règne de Hassn II .ولكن أساسا لكون القضية الفلسطينة كانت دائما محط اجماع وطني حقيقي بالمغرب حتى في الوقت الذي كان في اواخر السبعينيات هناك بالداخل من يشوش على الاجماع الوطني حول قضية المغاربة الأولى -استرجاع الصحراء المغربية - متوهما ان الثورة ستنطلق من هناك .
إن اجماع المغرب الرسمي والشعبي، حول القضية الفلسطينية. كان ابرز معالمه، مساندة مغربية مطلقة على المستوى الدولي لمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني.
ووطنيا، فيكفي التذكير باجتماع جميع المشارب والفعاليات السياسية المغربية، يمينها، ويسارها، محافظوها وتقدميوها-عندما كان لكل هذا معنى -تحت سقف تنظيمي واحد وفريد عربيا أسس سنة1968أ طلق عليه الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني التي صمدت وحافظت على وحدتها رغم العديد من الالغام التي صادفتها في طريقها منذ ذلك التاريخ
ولعل ملامسة هذا التوافق يزداد تقديرا عندما انخرطت فيه الجامعة المغربية في عز عنفوانها بحمولاتها النضالية لطلابها الشباب المختلفون في كل شىء إلا فلسطين.
وحتى عندما تعمق الخلاف بين اجنحة منظمة التحرير الفلسطينية سعى المغاربة على الحفاظ على وحدتهم واجماعهم قبل ان يتدخل الاسلام السياسي ويعبث بكل شيئ هنا وهناك.
لكن، عندما وقع الاتفاق الثلاثي منذ ثلاث سنوات، بدل مقاربته والتعامل معه كممارسة سياسية تتحمل الادارة السياسية بمؤسساتها تدبيره، بين منعرجات السياسة الدولية والاقليمية وبين المصلحة الوطنية .
برز تيار على الساحة المغربية هاجسه المحوري هو فصل المغاربة عن القضية الفلسطينية ومحاولة افراغها من عمقها الاستراتيجي في السياسة الدولية والعربية وكذلك من قدسيتها في الوجدان المغربي، من خلال طرح اسئلة مخدومة وملغومة تستهدف البطون الجائعة والايادي المعطلة والرؤوس الفارغة في زمن " القفوزية".
ماذا ربح المغاربة من فلسطين؟ ومالنا ومال فلسطين؟ ولماذا سنقاطع اسرائيل وهم يحاورون السلطة الفلسطينية؟ وما علاقتنا بالصراع بالشرق الاوسط اصلا؟
ولماذا لا يستفيد المغرب والمغاربة من خبرة اسرائيل التقنية والفلاحية والعسكرية والسياحية؟ اليس اليهود هم من يحكمون امريكا والعالم؟
هؤلاء المهرولون اعتقدوا انهم بذلك يقدمون سندا شعبيا للإدارة السياسية الموكول لها تدبير الاتفاق. في اعتقادي أنهم اخطؤوا الصواب لثلاثة أسباب:
أولا، لأن تسرعهم يضعف المدبر والمفاوض السياسي المكلف بتنزيل الاتفاق الذي يحاول ان يُسوق للطرف الاخر ان المغرب بهذا الاتفاق يكون قد قام بمجهود استثنائي في علاقاته الدولية وبخطوة سيكون لها ما بعدها في الصراع العربي الاسرائيلي وفي نفس الوقت فان الممانعة مستمرة بالمجتمع المغربي وقواه ونخبه وبالتالي الوفاء بالالتزامات الواردة في الوثيقة وبالسرعة الضرورية هي حد ادنى لضمان استمراره.
ثانيا، هرولة عدد من الفاعلين في الواقع وفي العالم الافتراضي أعطوا انطباعا للآخر إسرائيل أن الادارة السياسية المغربية كانت متأخرة في اخد هذه المبادرة وان المجتمع المغربي كان مستعدا لذلك، وقد فقد حسه القومي منذ زمان.
للتذكير ان مصر التي وقعت اتفاقية السلام في 1979 لازالت جامعاتها لم تستطع نسج علاقات مع نظيراتها باسرائيل لحد الآن.
ونفس الأمر بالنسبة لكبار رجال الفكر والفنانين ونشطاء المجتمع المدني رغم انصرام حوالي نصف قرن على الاتفاق.
ثالثا، ما قام به هذا التيارا شكل حجة قوية لتيارآخر لينتعش وليخلط الاوراق بين العقائدي المحكوم بالدين من جهة والسياسي المحكوم بالشرعة الدولية من جهة أخرى. وليفسح المجال لتجذير رؤية جاهزة يؤطرها الشعار المعروف (خيبر خيبر ..)
بعد 7 أكتوبر وما حدث بغزة، وخاصة ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي من ابادة جماعية للمدنيين، وتدمير للكنائس والمساجد والمستشفيات. جعل الساحة الوطنية تعرف ردود فعل مجتمعية متضامنة متأصلة فيه، وضعت اصحاب التيار الاول في حرج وهم يسجلون موقف المغرب الرسمي الرافض والمدين للعنف والحرب على المدنيين. وكذلك تقديم الدعم الانساني للضحايا، مع تحريك آلته الديبلوماسية. إضافة الى دينامية الشارع المغربي المتضامن مع الشعب الفلسطيني. وبذلك أصبح شعار “كلنا إسرائليون “نشازا بالمملكة المغربية.
حتى وإن كان عدد من النخب الفكرية والفنية المغربية، اختفت منذ 7 اكتوبر. في الوقت الذي إن ما يميز ما يحصل الآن بغزة هو تضامن رجال الفكر والفن وبعض السياسيين من العالم اجمع من جهة ومن جهة أخرى سقوط القناع عن الاعلام الغربي بشكل عام والفرنسي بشكل خاص، وترويجه للكراهية والعدوانية والتمييز والدفاع عن الابادة الجماعية.
في هذه الأجواء وفي هذا السياق الوطني والدولي جاء الخطاب الملكي بقمة الرياض .
فبدون تردد، ولا المنزلة بين المنزلتين. فالأمر واضح ومحسوم لرئيس لجنة القدس، فما تقوم به اسرائيل من حرب على المدنيين مرفوض انسانيا واخلاقيا. وبمقتضى القانون الدولي.
ولضمان استقرار المنطقة:
* فلا بديل عن سلام حقيقي في المنطقة، يضمن للفلسطينيين حقوقهم المشروعة، في إطار حل الدولتين؛
* ولا بديل عن دولة فلسطينية مستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية؛
* ولا بديل عن تقوية السلطة الفلسطينية، بقيادة أخي الرئيس محمود عباس أبو مازن؛
* ولا بديل عن وضع آليات لأمن إقليمي مستدام، قائم على احترام القانون الدولي والمرجعيات الدولية المتعارف عليها."
فهل هناك وضوح أكثر؟
انتهى الكلام فدعم القضية الفلسطينية تاريخ والاتفاق الثلاثي لحظة.