أولا وقبل كل شيء من الناحية المنهجية لابد لنا أن نضع مفهوما لعلوم الرياضة فهي بكل بساطة علم يهتم بدراسة كيفية عمل جسم الإنسان السليم أثناء التمرين وكيف تعزز الرياضة والنشاط البدني الصحة جسديًا وعقليًا واجتماعيًا. تتضمن دراسة علوم الرياضة والتدريب العديد من الدراسات والمجالات الأكاديمية الأخرى، مثل علم وظائف الأعضاء وعلم النفس وعلم التشريح والهندسة والكيمياء. إذ يعد تخصص علوم الرياضة والتدريب تخصصًا أكاديميًا جديدًا نسبيًا، لكن تاريخيا يعتبر عريقا ترجع أصوله إلى العصور اليونانية القديمة على يد الدكتور اليوناني (كلوديوس جالينوس).
بالنسبة للمغرب علوم الرياضة كعلم مستقل يدرس أكاديميا وجامعيا لازلنا بعيدين كل البعد عن ذلك وهنا نقول أنه يزداد الطلب اليوم على الاهتمام بدراسة علوم الرياضة والتدريب، نتيجة ازدهار صناعة الرياضة وارتفاع المنافسات بين الرياضيين.
هنا تجدر الإشارة إلى أن في السنوات الـ 35 الأخيرة أصبحت الصناعة الرياضية في العالم تشكل أحد دعائم الاقتصاديات الوطنية، فعلى سبيل المثال بلغ حجم دخل صناعة الرياضة بالولايات المتحدة في عام 1999 حوالي 75 مليار دولار أمريكي، وجاء هذا الدخل في المركز الـ 15 متقدما على قطاعات صناعية أخرى.
وبهذا تُعَـدُّ الرياضـة في تنـوع أبعادهـا وتكاملهـا رافعـةً لتحقيـق الرفـاه والنهـوض بالصحـة التنميـة البشـرية، ونشـاطاً مـدراً للاستثمارات وفـرص الشـغل، وعنصـراً محدثـاً للقيمـة المضافـة وعاملا يسـاهم في توطيـد التماسـك الاجتماعي و عليه تعد الصناعة الرياضية من أهم الأبواب الاستثمارية التي قد تساهم في حل مشكلات اقتصادية كبيرة تعاني منها أغلب الدول النامية وتتجاوز عوائدها المجال الرياضي لتشمل مناحي اجتماعية واقتصادية.
المغرب على غرار هذه الدول، فاهتمامه بهذه الصناعة أصبح ضرورة ملحة يتطلبها الركب الدولي وخاصة إذا ما نظرنا إلى أهميتها ودورها المهم في المساهمة في التنمية الشاملة وتحقيق النمو الاقتصادي و تشجيع الاستثمار و السياحة، تعتبر الرياضة جزءاً مكملاً من الأنشـطة الجماعيـة للإنتاج والاستهلاك، فهي تدخل في إطـار الـدورة الاقتصـادية سـواء باعتبارهـا منتجـاً أو شـريكاً فـي الإنتاج أو باعتبارها قيمة مضافة ولهذا أصبحنا اليوم مطالبون بأن نعتبرها قطاع مستقل كباقي القطاعات لما لها من تأثير قوي على المستوى التنموي الذي يسعى المغرب جاهدا لتحقيقه.
وما يؤكد ذلك هو الحدث التاريخي الأخير الذي هز الرياضة المغربية وأثر على صورة البلد ومكانته و رتبه سواء على المستوى الدولي والعربي وكذا الإفريقي كان بمثابة دعاية للمغرب ألا وهو وصول الفريق الوطني لكرة القدم لمراكز مهمة في كأس العالم 2023 بقطر. الشيء الذي أكسب المغرب شعبية كبيرة واحتل الرتب الأولى عالميا في البحث و في الهاشتاغ العربي والدولي، و هذا راجع أكيد إلى المجهودات التي تقوم بها الجامعة المغربية لكرة القدم، وهذا إن دل على شي فإنه يدل على أنه هناك ارادة و مجهود لكن بوتيرة بطيئة.
الجدير بالذكر أن الأحداث الرياضية التي يشاهدها العالم كله تعتبر أحد الوسـائل الناجحـة لتطــوير صــناعة الرياضــة، بطــولات العــالم والألعــاب الأولمبيــة والبطــولات القاريــة والإقليميــة والمحلية تعتبر في حد ذاتها أكبر دعاية لترويج المنتجات الرياضية وتطوير صـناعة الرياضـة فـي جميع المجالات (ملابس، أدوات، أجهزة، تقنيات...).
بالإضافة إلــى مســاهمة الرياضة في تنميــة الــذات، وتعزيــز إشــعاع البلــدان وتوطيــد التماســك والإدماج الاجتماعي، يتـم الإقرار اليـوم بـأن الصناعة الرياضـية محـرك اقتصـادي حقيقـي، يحـدث الثـروة ويخلـق فـرص الشــغل. وفي هــذا الصــدد، تعتبــر منظمــة التعــاون والتنميــة الاقتصادية الصناعة الرياضيــة مصــدراً جديــداً للنمو.
وبفضــل وزنهــا الاقتصادي الــذي يمثــل 2 في المائة مــن النــاتج الداخلــي الإجمالي العالمي، أي مــا يعـادل 1200 مليـار أورو، ومـا تشـكله مـن قيمـة تبلـغ 3 في المائة مـن النـاتج الداخلـي الإجمالي و2.2 في المائة مـن سـوق الشـغل في بلـدان الاتحاد الأوروبي فـإن الصناعة الرياضية تعد محـوراً هامـاً تأخـذه كبريـات الـدول في الاعتبار عنـد وضـع أي سياسـة رياضيـة.
ولذلك نشأ ما يسمى "اقتصاديات الرياضة" كفرع جديد من فــروع علــم الاقتصاد، تهــتم بدراســة النشــاط الرياضــي مــن وجهــة نظــر اقتصــادية، أي أنهــا تلــك الاقتصاديات التي تعتبر الرياضة نشاطاً اقتصادياً له صناعته من سلع وخدمات، وله أسواقه من عـرض وطلب، وله ميزانيته وتمويله، وله أجهزته وإدارته ومنظماته...إلخ.
فمن الواضح الآن مدى أهمية الصناعة الرياضية الرياضة وبالتالي، ستكون هناك حاجة إلى التوجه نحو فتح أبواب أمام تخصصات الدراسة الرياضية بأكاديميات وجامعات متخصصة شأنها شأن باقي العلوم ترتكز على جانب نظري وتطبيقي اقتداءا بالدول المتقدمة الرائدة في المجال كالولايات المتحدة الأمريكية، ألمانيا ، كندا ...
وانطلاقا مما سبق يمكن القول أنه لا تحتـل الصناعة الرياضية حتـى الآن المكانـة الجديـرة بهـا فـي إطـار السياسـة التنمويـة للبـلاد، بشـكل يعكـس أدوارهـا ويعـزز انعكاسـاتها الاجتماعية والاقتصادية والصحيـة والثقافيـة والبيئيـة والسياسية و لتجاوز ذلك لابد من:
ـ الارتقـاء بالاستراتيجية الوطنيـة للرياضـة إلـى سياسـة عموميـة، يتـم إدراجهـا في قانـون إطـار، مـع الحرص علـى احتـرام مبـادئ ومقتضيـات الدسـتور، وتحديد الأدوار المنوطة بمختلف الفاعلين بشـكل واضـح، وضمـان قيـادة مؤسسـاتية فعالـة علـى الصعيديـن المركزي والترابـي..
ـ إعطـاء الأولوية، للنهـوض بالرياضـة المدرسية والجامعية، وذلـك من خلال العمل على وجه الخصوص على إعطـاء التربيـة البدنيـة والرياضيـة مكانـة بـارزة في البرامـج الدراسـية، وتزويـد مؤسسـات التربيـة والتعليـم المدرسي بالمؤطرين المؤهلين وتوفيـر البنيـات التحتيـة الرياضيـة الملائمة.
ـ تعزيــز عمــل الجامعات الرياضيــة والعصــب الجهوية والجمعيات الرياضيــة، مــع العمــل علــى مواصلــة الجهود الراميــة إلــى النهــوض بحكامتهــا. هناك تطور قانوني في هذا المجال بالمغرب بتحويل الأندية الرياضية للشركات هو شيء جيد ولكن في المقابل ينبغــي إرســاء قواعــد ومعاييــر موضوعيــة لمنــح الإعانات تقوم على تحديد الاهداف والمحاسبة على النتائج في إطار ربط المسؤولية بالمحاسبة، كمــا يتعـيـن بالموازاة مــع ذلــك وضــع برنامــج للمواكبــة والدعــم المالي والتقنـي، مـن أجـل تمكينهم مـن الامتثال لمختلف المعايير الوطنيــة والدوليــة داخــل أجــل معقــول ومــن ثــم تحسيـن أدائهــا.
ـ رصـد وتحديـد حجـم الحاجيـات بشـكل دقيـق فـي مجـال البنيـات التحتيـة والمـوارد البشـرية والتكويـن المستمر الجامعي الذي يحترم التخصص وينشئ متخصصة علميا في المجال صحيح أن الممارسة مهمة لكن الأهم هو العلم والتعلم وفق برنامج جامعي يجمع النظري والتطبيقي.
ـ وفي الختام لابد من التأكيد على أهمية العلم والتعلم والمعرفة العلمية الحقيقية في المجال الرياضي الشيء الذي يكرس احترام التخصصات و يدفع الى التنقيب على المواهب و فتح الأفاق أمامها لأن ما تحتاجه هو التوجيه والتأطير الصحيح الذي يبدأ من التنشئة داخل الأسرة والمدرسة والجامعة.. وبنيات تحتية وقاعدة وتجهيزات.
د.ضياء الدين الطرشاوي/ باحث مغربي في علوم الرياضة الحديثة مقيم بالولايات المتحدة الأمريكية