إبراهيم أفروخ: حادث السمارة.. أوان تنزيل الحكم الذاتي 

إبراهيم أفروخ: حادث السمارة.. أوان تنزيل الحكم الذاتي  إبراهيم أفروخ
ما إن تعرضت مدينة السمارة يوم 29 أكتوبر 2023، إلى قصف صاروخي أعلنت جبهة البوليساريو مسؤوليتها عنه، والذي راح ضحيته شاب مغربي وجرح ثلاثة مواطنين أخرين، حتى تبادرت إلى الأذهان عملية إغلاق معبر الكركرات، التي مكنت القوات المسلحة الملكية من بسط سيطرتها على المنطقة العازلة يوم 13 نونبر 2020.
هذا الفعل الإرهابي الذي استهدف مدنيين يُعتبر نقطة نهاية المفاوضات بين المغرب وقيادة البوليساريو، ومؤشرا قويا لتنزيل نظام الحكم الذاتي بالصحراء. وتكون بذلك مدينة السمارة الواقعة شرق مدينة العيون النقطة التي تمنح المغرب ما كان ينتظره، فإذا كان إغلاق معبر الكركرات لشهور من طرف أتباع البوليساريو قد أعطى الجيش المغربي شرعية كاملة لإنهاء ما يسمى بالمنطقة العازلة، وحرمان البوليساريو ووالجزائر من أراضي كانت تعتبرها أراضي محررة وشاطئ لكويرة الذي تمت السيطرة عليه بالكامل. فالعمل الإرهابي الأخير الذي تعرض له مدنيون بمدينة السمارة يجعل المغرب يعيد النظر في التعامل مع مصدر الإرهاب، وهنا باتت المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة والتي كانت تجمع بين المغرب والبوليساريو وتحضرها الجزائر موريتانيا مهددة بالتوقف لأن المغرب لا يتفاوض من الحركات الإرهابية.
تتوفر الأمم المتحدة على بعثة عسكرية في الصحراء والمعروفة إختصارا ب"المينورسو"، مهمتها مراقبة ورعاية إتفاق وقف إطلاق النار الموقع بين المملكة المغربية وجبهة البوليساريو سنة 1991، والذي أعلنت جبهة تنصلها منه يوم 14 نونبر 2020 عبر بيان رسمي.

هذه البعثة سبق لها وأن راقبت عن كثب كل أطوار عملية تحرير معبر الكركرات التي نفذها الجيش المغربي يوم 13 نونبر 2020، نفس الأمر قامت به البعثة عندما قام فريق منها بالتحقيق الميداني في الفعل الإرهابي الذي استهدف مدينة السمارة وخلف ضحية وثلاثة جرحى، بتنسيق مع النيابة العامة التي باشرت التحقيق عبر الشرطة القضائية وغياب تام للجيش المغربي، بعثة المينورسو أعدت تقريرا مفصلا عن هذا العمل الإرهابي.
 
لماذا لازال المغرب يتشبث باتفاق وقف إطلاق النار المبرم مع البوليساريو؟
تتعدد الأسباب التي تجعل المملكة المغربية تتشبث بالشرعية الدولية، من بينها الاعتقاد المغربي أن النزاع حُسم لصالح المغرب على مستوى الأرض، وبقيت فقط حسابات إقليمية ودولية كانت لها مصالح في استمرار هذا النزاع، والأهم من هذا كله ما يبديه مجلس الأمن دوما من تنويه بجهود المغرب في إيجاد حل للنزاع منذ اقتراحه سنة 2007 لمبادرة الحكم الذاتي، وإعجاب الأمم المتحدة بسرعة تطهير معبر الكركرات من المليشيات المسلحة وإعادة الحياة وحرية حركة الاشخاص والبضائع والسلع له.
يراهن المغرب هذه الأيام على مجلس الأمن لإدانة جبهة البوليساريو واعتبارها حركة إرهابية تهدد أمن وسلامة المدنيين، وقصف مدينة السمارة أحد الأدلة التي ستعتمد عليها الأمم المتحدة والمنتظم الدولي.
 
العمل الإرهابي الذي يستهدف المغرب ينطلق من الجزائر
قصف مدينة السمارة الأسبوع الماضي، لا يعفي النظام الجزائري من المسؤولية الكاملة في رعاية ودعم الإرهاب الانفصالي. تجري داخل أروقة الأمم المتحدة جهود مغربية متسارعة لإدانة البوليساريو وإعتبارها حركة إرهابية، في المقابل تسابق الجزائر الزمن لإقناع الأمم المتحدة أن البوليساريو حركة مسلحة تهاجم المغرب لتحرير الأرض. هنا مراقبي الأمم المتحدة عبر لجان التخصص في مجلس الأمن يجدون أن النظام الجزائري يدعم العمل المسلح ومهاجمة المدنيين .. وبيدهم ملف كامل عنوانه عمل إرهابي في إحدى مدن الصحراء، معزز بمعلومات دقيقة عن مصدر ونوع الصواريخ المستعملة في هذا القصف، والدولة التي أوصلته للبوليساريو وهنا الجزائر في ورطة باعتبار القصف انطلق من مجالها الترابي.
 
لماذا يقدم الملك اليد الممدودة للجزائر؟
اتسمت جميع خطابات الملك محمد السادس تجاه الجزائر، باليد الممدودة للحوار والصلح مع الجزائر، لاعتقاده أن هناك العديد من القواسم المشتركة التي تجمع الجارين الشقيقين والجوار ووحدة الدين واللغة والأخوة والحاضر والمستقبل. وقناعة الملك بأن هناك في الجزائر من يقدر ويفهم ضرورة الوحدة والصلح والتعاون لما يخدم مصلحة الشعبين المغربي والجزائري وما يضيعه الخلاف السياسي والتوتر من فرص اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية مهمة.
 
لماذا يتجنب المغرب المواجهة العسكرية مع الجزائر؟
جنوح المملكة المغربية للسلم وتبنيها للحوار لحل الخلافات والإشكالات السياسية ينبع من الإدراك أن الحرب لا ينتج عنها سوى الدمار والخراب ولا يوجد لدى المغرب دواعي تجعله يتبني لغة الحرب خصوصا وأنه يمارس سيادته على كامل ترابه وأن الخلافات السياسية تحل بالطرق السلمية و بالحوار. وهذا لا يعني أن المغرب يتخلى عن جاهزيته وتطوير قدراته العسكرية للدفاع عن ترابه ومواطنيه.
 
قصف السمارة وانتخابات الحكم الذاتي
كل المؤشرات تؤكد أن المغرب يملك فرصة ذهبية للدخول في انتخابات صحراوية تؤسس لنموذج ديمقراطي يتمثل في تفعيل نظام الحكم الذاتي، خاصة وأن الغالبية الساحقة من الصحراويين مندمجون في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والتنمية الشاملة التي تشهدها الأقاليم الصحراوية، ليبقى أمام ساكنة مخيمات تندوف إما الالتحاق بأرض الوطن أو الدمج في مدينة تندوف.