حذار من تحويل أموال الدولة الاجتماعية إلى "مالين الشكارة"!

حذار من تحويل أموال الدولة الاجتماعية إلى "مالين الشكارة"! هل‭ ‬سيفلح‭ ‬أخنوش‭ ‬في‭ ‬ترجمة‭ ‬فلسفة‭ ‬الدولة‭ ‬الاجتماعية؟
يضعنا‭ ‬إعلان‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬عن‭ ‬الشروع‭ ‬في‭ ‬الإلغاء‭ ‬التدريجي‭ ‬للدعم‭ ‬المخصص‭ ‬لقنينات‭ ‬الغاز‭ ‬(البوطا)‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬2024،‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬التنزيل‭ ‬الملائم‭ ‬لـ‭ ‬"الدولة‭ ‬الاجتماعية"‭ ‬التي‭ ‬ينص‭ ‬عليها‭ ‬الدستور‭. ‬كما‭ ‬يطرح‭ ‬في‭ ‬المستوى‭ ‬نفسه‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬التساولات‭ ‬الصعبة،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬ماضية‭ ‬في‭ ‬تنزيل‭ ‬«الدعم‭ ‬الاجتماعي‭ ‬المباشر»‭ ‬مع‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬الرفع‭ ‬التدريجي‭ ‬للدعم‭ ‬عن‭ ‬المواد‭ ‬المدعمة‭ ‬المتبقية‭ ‬ضمن‭ ‬صندوق‭ ‬المقاصة‭ ‬وفق‭ ‬توجهات‭ ‬مشروع‭ ‬قانون‭ ‬المالية‭ ‬لسنة‭ ‬2024‭.‬
 
فقد‭ ‬أعلن‭ ‬أخنوش‭ ‬أن‭ ‬قنينة‭ ‬«البوطا»‭ ‬التي‭ ‬تباع‭ ‬بـ‭ ‬40‭ ‬درهما‭ ‬حاليا‭ ‬سعرها‭ ‬الحقيقي‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬130‭ ‬درهما،‭ ‬وأن‭ ‬المواطن‭ ‬يؤدي‭ ‬منها‭ ‬40‭ ‬درهما‭ ‬والباقي‭ ‬تؤديه‭ ‬الدولة‭ ‬(90‭ ‬درهما)‭. ‬مضيفا‭ ‬أنه،‭ ‬وابتداء‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬أبريل‭ ‬2024‭ ‬سيبدأ‭ ‬رفع‭ ‬الدعم‭ ‬عن‭ ‬«البوطا»‭ ‬بنحو‭ ‬10‭ ‬دراهم‭ ‬تدريجيا‭ ‬كما‭ ‬سيتم‭ ‬تسقيف‭ ‬سعرها‭.‬
 
إن‭ ‬هذا‭ ‬الإجراء‭ ‬المرافق‭ ‬للدعم‭ ‬المباشر‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬«الراعية»‭ ‬ستلقي‭ ‬بكرة‭ ‬النار‭ ‬في‭ ‬حجر‭ ‬المواطن،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬فاتورة‭ ‬«صندوق‭ ‬المقاصة»‭ ‬تستمر‭ ‬في‭ ‬تسجيل‭ ‬ارتفاعات‭ ‬قياسية،‭ ‬إذ‭ ‬انتهى‭ ‬العام‭ ‬2022‭ ‬بارتفاع‭ ‬قياسي‭ ‬في‭ ‬الفاتورة‭ ‬نفقات‭ ‬المقاصة‭ ‬بزيادة‭ ‬بلغت‭ ‬236.7‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬مقارنة‭ ‬مع‭ ‬2021،‭ ‬لتبلغ‭ ‬45.2‭ ‬مليار‭ ‬درهم،‭ ‬أي‭ ‬4‭ ‬آلاف‭ ‬و520‭ ‬مليار‭ ‬سنتيم،‭ ‬مقابل‭ ‬13.5‭ ‬مليارات‭ ‬درهم‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى،‭ ‬أي‭ ‬بزيادة‭ ‬قيمتها‭ ‬31.8‭ ‬مليارات‭ ‬درهم‭.‬
 
وتفسر‭ ‬الحكومة‭ ‬هذا‭ ‬الارتفاع‭ ‬باتخاذها‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القرارات‭ ‬والتدابير‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬تداعيات‭ ‬ارتفاع‭ ‬الأسعار‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العالمي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دعم‭ ‬المواد‭ ‬الأساسية،‭ ‬إذ‭ ‬بلغت‭ ‬تكلفة‭ ‬الدعم‭ ‬40‭ ‬مليار‭ ‬درهم‭ ‬(أي‭ ‬4‭ ‬آلاف‭ ‬مليار‭ ‬سنتيم)‭ ‬خلال‭ ‬السنة‭ ‬الماضية‭. ‬وقد‭  ‬حاز‭ ‬دعم‭ ‬أسعار‭ ‬«البوط»‭ ‬حصة‭ ‬الأسد‭ ‬بحوالي‭ ‬22‭ ‬مليار‭ ‬درهم‭. ‬بينما‭ ‬كلف‭  ‬دعم‭ ‬القمح‭ ‬حوالي‭ ‬10.5‭ ‬مليارات‭ ‬درهم،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬السكر‭ ‬بحوالي‭ ‬4.8‭ ‬مليارات‭ ‬درهم‭. ‬
 
فماذا‭ ‬يعني‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬«صندوق‭ ‬المقاصة» ودعم‭ ‬المواد‭ ‬الأساسية،‭ ‬وإقرار‭ ‬نظام‭ ‬الدعم‭ ‬المباشر‭ ‬للأسر‭ ‬المعوزة؟‭ ‬هل‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬«الدولة‭ ‬الاجتماعية»‭ ‬اختارت‭ ‬تقليص‭ ‬نفقاتها‭ ‬العمومية‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬القدرة‭ ‬الشرائية‭ ‬للمواطن،‭ ‬أم‭ ‬يعني‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬خللا‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬فلسفة‭ ‬الدولة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬يراهن‭ ‬عليها‭ ‬المغرب‭ ‬وتم‭ ‬التنصيص‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الخطب‭ ‬الملكية؟‭ ‬هل‭ ‬ستفك‭ ‬الحكومة‭ ‬ذراعها‭ ‬من‭ ‬«الاختلال‭ ‬الميزانياتي»‭ ‬بوضع‭ ‬عنق‭ ‬المواطن‭ ‬تحت‭ ‬مطرقة‭ ‬الزيادة‭ ‬في‭ ‬الأسعار؟‭ ‬ألا‭ ‬يعني‭ ‬إعدام‭ ‬صندوق‭ ‬المقاصة‭ ‬لإرضاء‭ ‬المؤسسات‭ ‬المالية‭ ‬الدولية‭ ‬إعداما‭ ‬مباشرا‭ ‬للقدرة‭ ‬الشرائية‭ ‬المتفاقمة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ظل‭ ‬استمرار‭ ‬تقلبات‭ ‬الأسعار‭ ‬العالمية‭ ‬للمواد‭ ‬المدعمة‭ ‬من‭ ‬الصندوق؟
 
إن‭ ‬هذه‭ ‬الأسئلة‭ ‬تكشف،‭ ‬مع‭ ‬حالة‭ ‬عدم‭ ‬اليقين‭ ‬التي‭ ‬تسود‭ ‬الأسواق،‭ ‬ومع‭ ‬ارتفاع‭ ‬حدة‭ ‬التوترات‭ ‬العالمية‭ ‬الحالية،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬والشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬التخوفات‭ ‬الضرورية‭  ‬من‭ ‬الآلية‭ ‬التي‭ ‬ستنتهجها‭ ‬الحكومة‭ ‬لتأمين‭ ‬الحماية‭ ‬الاجتماعية‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الهدف‭ ‬المعلن‭ ‬من‭ ‬إنهاء‭ ‬العمل‭ ‬التدريجي‭ ‬بنظام‭ ‬المقاصة،‭ ‬أي‭ ‬استخلاص‭ ‬إيرادات‭ ‬لتمويل‭ ‬الدعم‭ ‬المباشر‭ ‬للأسر،‭ ‬لا‭ ‬ينبني‭ ‬على‭ ‬سياسة‭ ‬دعم‭ ‬اجتماعي‭ ‬خاضعة‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬لتقلبات‭ ‬الأسعار‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬الدولية‭.‬
 
لقد‭ ‬كشف‭ ‬أخنوش‭ ‬عن‭ ‬توجه‭ ‬الحكومة‭ ‬نحو‭ ‬تقليص‭ ‬دعم‭ ‬المواد‭ ‬المتبقية‭ ‬في‭ ‬صندوق‭ ‬المقاصة‭ ‬بشكل‭ ‬تدريجي،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تمويل‭ ‬«دعم‭ ‬الفقراء»‭ ‬الذي‭ ‬يكلف‭ ‬خزينة‭ ‬الدولة‭ ‬25‭ ‬مليار‭ ‬درهم‭. ‬مؤكدا‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬لن‭ ‬تتحمل‭ ‬تمويل‭ ‬الدعم‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وتبقي‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬على‭ ‬تحمل‭ ‬الكلفة‭ ‬الكاملة‭ ‬لنظام‭ ‬المقاصة‭. ‬فماذا‭ ‬يعني‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬الواضح‭ ‬في‭ ‬مضمونه،‭ ‬وفي‭ ‬أهدافه؟‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬الأسس‭ ‬التي‭ ‬أقام‭ ‬عليها‭ ‬أخنوش‭ ‬حجته‭ ‬ليدعي‭ ‬أن‭ ‬الدعم‭ ‬المباشر‭ ‬الممنوح‭ ‬سيفوق‭ ‬بكثير‭ ‬مستوى‭ ‬القيمة‭ ‬التي‭ ‬سيتم‭ ‬بموجبها‭ ‬التقليص‭ ‬النسبي‭ ‬لدعم‭ ‬المقاصة؟‭ ‬ثم‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬الضمانات‭ ‬التي‭ ‬يتيحها‭ ‬برنامج‭ ‬الدعم‭ ‬المباشر‭ ‬وقرار‭ ‬إلغاء‭ ‬صندوق‭ ‬المقاصة‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬مكتسبات‭ ‬الطبقة‭ ‬المتوسطة؟
 
لقد‭ ‬شدد‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬على‭ ‬نموذج‭ ‬للاستثمار‭ ‬البعيد‭ ‬المدى‭ ‬في‭ ‬المنظومة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬وذلك‭ ‬بربط‭ ‬المواطن‭ ‬بمشاريع‭ ‬التنمية،‭ ‬وتحوير‭ ‬السياسات‭ ‬العمومية‭ ‬برمتها‭ ‬لفائدة‭ ‬تقليص‭ ‬الفوارق،‭ ‬وتحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬المجالية‭ ‬والترابية،‭ ‬والوصول‭ ‬إلى‭ ‬الفئات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الأكثر‭ ‬فقرا‭ ‬وحاجة‭ ‬وهشاشة،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬النظام‭  ‬الاجتماعي‭ ‬الشامل‭  ‬أو‭ ‬الدولة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬يطمح‭ ‬إليها‭ ‬المغاربة‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تنبني‭ ‬على‭ ‬«المقايضة»‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬المراهنة‭ ‬على‭ ‬الغائب،‭ ‬بل‭ ‬تراهن‭ ‬على‭ ‬تبديد‭ ‬الفوارق‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وإقرار‭ ‬العدالة‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الفروع‭ ‬والمجالات‭ ‬والقطاعات،‭ ‬في‭ ‬الصحة‭ ‬والتعليم‭ ‬ونظام‭ ‬الأجور‭ ‬والدعم‭ ‬والتكفل‭.. ‬إلخ‭. ‬فمعظم‭ ‬البرامج‭ ‬الاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬سبق‭ ‬واعتمدتها‭ ‬الحكومات‭ ‬السابقة‭ ‬لإعادة‭ ‬توزيع‭ ‬الثروة‭ ‬فشلت‭. ‬والدليل‭ ‬أن‭ ‬مخطط‭ ‬المغرب‭ ‬الأخضر‭ ‬عمق‭ ‬الفوارق‭ ‬أكثر‭ ‬وزاد‭ ‬ثراء‭ ‬الرأسمالية‭ ‬الزراعية‭ ‬وتفاحش‭ ‬غناء‭ ‬الفلاحين‭ ‬الكبار،‭ ‬مقابل‭ ‬احتداد‭ ‬بؤس‭ ‬الفلاحين‭ ‬الصغار‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬برامج‭ ‬السكن‭ ‬الاجتماعي‭ ‬لم‭ ‬تخلق‭ ‬سوى‭ ‬منعشين‭ ‬«هرفوا»‭ ‬على‭ ‬مساحات‭ ‬شاسعة‭ ‬واستفادوا‭ ‬من‭ ‬امتيازات‭ ‬خيالية‭ ‬مكنتهم‭ ‬من‭ ‬الإثراء‭ ‬الفلكي‭ ‬والخيالي،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يقبع‭ ‬ملايين‭ ‬المغاربة‭ ‬في‭ ‬أقفاص‭ ‬إسمنتية‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬أنسنة‭ ‬ومن‭ ‬كل‭ ‬روح‭. ‬أما‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬الصحة‭ ‬فإن‭ ‬برامج‭ ‬التغطية‭ ‬الصحية‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬انفجار‭ ‬للمصحات‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬حلبت‭ ‬المغرب‭ ‬والمغاربة‭ ‬وأفرغت‭ ‬المستشفيات‭ ‬العمومية‭ ‬من‭ ‬الأطباء‭ ‬والممرضين‭.‬
 
فهذه‭ ‬التجارب‭ ‬بينت‭ ‬أن‭ ‬الحكومات‭ ‬نسفت‭ ‬النية‭ ‬الإيجابية‭ ‬لمشروع‭ ‬الدولة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وخلقت‭ ‬اقتصادا‭ ‬رأسماليا‭ ‬متوحشا‭ ‬بدل‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬خلق‭ ‬اقتصاد‭ ‬اجتماعي‭. ‬والنتيجة‭ ‬أن‭ ‬أموال‭ ‬الخزينة‭ ‬العامة‭ ‬بدل‭ ‬أن‭ ‬تذهب‭ ‬لتقعيد‭ ‬الدولة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬استفاد‭ ‬منها‭ ‬أثرياء‭ ‬الريع‭ ‬والاقتصاد‭ ‬الرأسمالي‭.‬‭ ‬
فهل‭ ‬سيفلح‭ ‬أخنوش‭ ‬في‭ ‬ترجمة‭ ‬فلسفة‭ ‬الدولة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬أم‭ ‬ستنقض‭ ‬حكومته‭ ‬على‭ ‬أموال‭ ‬الدولة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬لتهريبها‭ ‬إلى‭ ‬أصحاب‭ ‬«مالين‭ ‬الشكارة»!!
 
تفاصيل أوفر تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية" الوطن الآن"
رابط العدد هنا