ليست تلك طريقة في الالتفاف، معاذ الله، على مجهودات الحكومة أو مجهودات الجنود الذين اشتغلوا في الظل، بل هي طريقة لإعطاء ما تحقق وزنه الوطني الذي يشعرنا بالارتياح والطمأنينة على صورة بلادنا. سننسى أن الوزير العلمي ليس وزير بنكيران وأن بنخضرة ليست مرؤوسة عبد الإله، سننسى، ولا نتذكر سوى أن المغرب، وحده، محور إقليمي لإنتاج النموذج! لقد انتصر المغرب، في أكبر تجمع إفريقي، والذي جاء بعد القمة الهزيلة للاتحاد الإفريقي، والذي حركته الدوافع الخسيسة والجزئية. وتبين بالفعل أن العالم، والقوى العظمى فيه، تقيس التطورات والبلدان بمعيار لا يحضر، للأسف، في أذهان الكثير من القادة الأفارقة عندما يختلون بأنفسهم. يبدو المشهد مأساويا: كلما اختلت الجزائر بالأفارقة، تخلوا عما يهمهم وتمعنوا في تقاسيم المغرب ليتصوروا شكل وجهه عندما يوجهون له الضربة التي تحلم بها الجزائر الشقيقة.. لن نحتفظ في أذهاننا طويلا بصورة السيد رئيس الحكومة، والسيدة حرمه المغربية البسيطة والمتواضعة، الشبيهة بالكثير من أمهاتنا، وهما يدخلان إلى البيت الأبيض أو هما يلوحان بجانب السيدة والسيد أوباما، لكن سنحتفظ، ولا شك، بغشت 2014 بالوقائع التالية: 1 - لم يكتر المغرب رحما أو أما بديلة لكي تحبل البلاد بمولودها الربيعي، ولا لكي تختبر قدرتها على إيجاد الأجوبة التي تفرضها المرحلة، وهو ما دعا المجتمعين، ومضيفهم العم سام بالأساس، إلى أن يتعاملوا مع المغرب تعاملا ناضجا، يعرفه كنموذج في تدبير الاستقرار والديموقراطية معا. فالمغرب سوق نفسه جيدا، لا بالدعاية أو شراء اللوبيات، بل بالأصوات النقية، بالإنصات إلى قوى الديموقراطية والتغيير، بالتعريف الوطني الشامل للشراكة السياسية في صناعة هذا النموذج. 2 - ليس المغرب، في سياق التدريب الذاتي على الارتقاء الديموقراطي في حاجة إلى شهادات، لكن، من المفيد لنا أن يتحدث رئيس دولة قامت بعد الثورة في تونس، كمنصف المرزوقي، بقبعته الحقوقية والمناضلة، عن المغرب الافريقي، ومن الحكمة فعلا أن نعتز بما قاله حول المغرب الذي فتح أفريقيا للمغرب الكبير.. بل فتحها أمام العرب على حد صاحب ثورة الياسمين. فالملك، رئيس الدولة في دستورنا، ركب توجها ديبلوماسيا وزار أفريقيا التي تبحث عن الشراكات المجدية، واستطاع أن يقرأ الرياح وما تشتهيه السفن في العالم المتصنع قبل وقته، وزكت القمة، وتحرك الولايات المتحدة في أفريقيا حدسه الاستراتيجي وتوجهه الديبلوماسي. 3 - النموذج المغربي، هو الذي جلب لنا القمة الافريقية الامريكية الأولى للبحث عن الثروات والتفكير في المقاولات الاستراتيجية. اقتصاديا، نجح الاستقرار والتحرك الديبلوماسي والنموذج الديموقراطي الجريء في صناعة جاذبية المغرب. 4 - لا أحد يخفى علينا أن أمريكا لا تتجاوز رقم معاملاتها مع أفريقيا 90 مليار دولار، مقابل 200 مليار دولار مع الصين وروسيا. ولهذا كانت عين أمريكا على تعبئة القارة حتى تعطل «أفريقيا الصينية» التي بدأت تتضح وتتعملق. والمغرب، بمناسبة خطاب العرش، كان واضحا في أن مركزيته في الساحة الأفريقية والقمة الحالية، لا تدفعه إلى محور أمريكي - أفريقي ضد الصين وروسيا، بل أعلن ملك البلاد أنه سيتوجه إلى بيكين وموسكو من أجل «شراكة استراتيجية اقتصادية». 5 - المغرب الذي يواجه آفتين رئيسيتين في العصر الحالي ( الإرهاب والانفصال) دون احتساب آفة الفساد، لم يضح بالتدرج الديموقراطي لمواجهة الاجندة الامنية أو الأجندة الترابية، ولم يفصل دستوره على مقاس مخاوفه المشروعة في هذا الباب، بل اندرج هو وخياراته في المستقبل الذي نحلم به، حتى قبل أن يتحقق. وهو في ذلك أيضا لم يضح بقيم التسامح والتعايش والهوية المتعددة «ليتفاوض» مع الإرهابيين المتلفعين بالدين الحنيف! لم يضح بمطالب ديموقراطييه لكي يستجيب لمخاوف أمنه المشروعة. 6- الحفاظ على رأسمال الثقة في المغرب، الذي عدنا به من أمريكا يجب أن نستثمره، مازال، في افريقيا: لنا أن نعيد ترتيب العلاقات مع بعض الأفارقة على قاعدة الهدف المشترك، بعيدا عن الابتزاز الشقيق وعبر تسويق نموذج العلاقة والشراكة مع أمريكا نفسها.. وبذلك يصبح المغرب الضلع الثالث في معادلة التعاون الأفريقي الأمريكي. وهذا ما يحسن بالديبلوماسية والطاقات الوطنية في كل فضاءات البلاد أن تشتغل عليه. ما نتمناه هو أن يدرك السيد رئيس الحكومة لدى عودته, الخدمة التي قدمها للمغرب عندما يحرص على تفعيل دستور بلاده ( لا أن يقول لنا بنرفزة واضحة في التلفزيون واش من دستور، المغرب هاذا!!). يدرك الخطوة التاريخية التي سنحققها عندما نتوجه إلى العالم وكتابنا الدستوري في يميننا ( ماشي اليمين السياسي أسي عبد الإله !). 7 - المغرب المغاربي، الذي يحمل مشعل التوازن والاستقرار، والذي يحارب الطواحين الجزائرية..، هو المحطة الأخرى، التي يمكن أن نحرص على أن تحصل قناعة الجزائر بها. المغرب الكبير، الديموقراطي المستقر، والموحد في حروبه ضد الإرهاب والانفصال والفساد والجهل والفقر والهشاشة .. هذا المغرب الكبير، يستلزم حلا أكثر من تنموي أو اقتصادي، إنه الحل الحضارى الضروري لبناء أجيال تكبر في وسط الاستقرار وقيم الديموقراطية .. وتحسن النسل !!