يونس عاشق: أرض دكالة و "مَجْمعْ الرّْمَى"

يونس عاشق: أرض دكالة و "مَجْمعْ الرّْمَى" يونس عاشق
في أوائل شهر شتنبر من كل سنة يجتمع الرّْمى (الصيادون والرماة) بدوار "الدّروز" بأولاد عيسى بقبيلة دكالة. وهي عادة دأبوا عليها منذ عقود وذلك من أجل التعارف وإحياء صلة الرحم بينهم وأيضا من أجل (الزّْيارة)، وهي الحصول على دعوات شيوخ الرّمى، وذلك لأن الناس هنا يعتقدون بقدسيتهم وأن دعوتهم مستجابة، تماما كما هو الشأن في أغلب المناطق السهلية الساحلية الممتدة من قبائل الغرب إلى قبيلة الشياظمة إلى جانب قبيلة أحمر والرحامنة وزعير وكل القبائل العربية الواقعة غرب سلسلة جبال الأطلس.
ويرجع هذا التقديس إلى التكوين الديني الذي تلقاه الرّمى في الزوايا التي كانت عبارة عن مدارس لتعليم الرماية والفروسية، والتي ظهرت في القرن السادس عشر بالمغرب، وأهمها وأولها الزاوية الناصرية بقبيلة أحمر والتي أسسها كل من الشيخين علي وسعيد إبنا ناصر الحمري.
وكما ذكرت فهذه الزوايا التي ظهرت في هذه الفترة وبالتزامن مع الصحوة والمطالبة بمقاومة الوجود البرتغالي بالمغرب، أكسبت مريديها وطلبتها روحا قتالية عالية مستمدة من القرآن والسنة، ومهارات متفوقة في استعمال الأسلحة والمناورات وركوب الخيل. دورهم الأكبر هو الدفاع عن المقدسات والتوابث الدينية. وبذلك صارت صورة (الرّامي) لدى العامة تجسد ذلك الحصن الحصين المنيع الذي يحمي الحِمى والمقدسات، وعليه أصبح في أعتقادهم أنه ذلك الشخص صاحب الدعوة المستجابة وأنه لو أقسم على الله لأبرّه. ومازال هذا الإعتقاد سائدا إلى يوم الناس هذا ،فكثيرا ما أسمع في بعض المناطق التي ذكرت (شوكة الرمى صعيبة) أي لا تسعَ في سخطهم  ولاتحاول منعهم من الصيد إذا دخلو بستانا أو أرضا فلاحية، ولا تحاول خداعهم أو معاداتهم فقد تبوء بغضب من الله لأنهم أهل الله وخاصته وأنهم (مجذبة) و(شُرفا) والعديد من هذه الأوصاف التي تحيل على القدسية. 
لقد صادفت أحد الفلاحين مرة حينما كنت أصطاد بنواحي آسفي وبالضبط منطقة (العركوب)، وحينما هممت بالإبتعاد عن أرضه تفاديا لإتلاف المحاصيل. قال لي بترحاب (ادخل وصيّد ومكاينش اللي يخسر خاطرك ،حنا عندنا البلاد اللي مايخرجش فيها بارود الرّمى ماتجيبش الصيف) . وبذلك يكون العامة من الناس البدو في المناطق التي ذكرت يعتقدون ببركة (الرّمى) وقدسيتهم ودعوتهم المستجابة .
حتى أنهم كلفوهم بإقامة محاكم عرفية تقضي بين الناس ،كان العمل بها ساري المفعول إلى حدود منتصف القرن العشرين وفي بعض المناطق إلى حدود سبعينات القرن العشرين.