سعيد منتسب: هولاكو.. الصنم الجديد!

سعيد منتسب: هولاكو.. الصنم الجديد! سعيد منتسب
ما الفرق بين رجل مغمض العينين يتبرع بأكياس من دمه كل صباح مع أنه يعرف أنه ميت ميت، ورجل آخر معبأ بالدمار يتبرع بالأدوات الحربية مع أنه يعرف أن السلاح صالح للقتل فقط؟
قد يقول قائل إن أحدهما يكمل الآخر. القاتل والمقتول وجهان لعملة واحدة. لن يعيش أحدهما دون الآخر بشكل جيد. قدرهما واحد، وحكمهما واحد. شريكان في كل شيء. بيد أن الجرح لا يشبه السكين، كما لا تشبه الرصاصة الحية الجمجمة المثقوبة، ولا الرماد يشبه الشجرة. المعادلة غير صحيحة، والاقتضاء غير عادل، ذلك أنه ليس ضروريا أن تشبه الصرخة السوط لنعرف أن صاحبها يتألم.
يقولون أيضا إن جميع الحروب غير أخلاقية. بيد أن المضحك هو أن هناك فرقا بين الحرب والإبادة. بين الصاروخ والكفن. بين الدبابة والحجر. بين الأسلحة المحرمة وأعواد الكبريت.
ويقال إن النية "أبلغ من العمل"، ولهذا يحاربون النوايا ويتهمونها بأنها ملوثة بصليل السيوف. والأدهى من ذلك أنهم يؤاخون القنوات الإذاعية والتلفزية ومجلس الأمن وحلف الناتو وحائط المبكى وقمم السلام والبانتاغون وحق الفيتو من أجل تحقيق الإجماع الوسيم على القتل غير الرحيم.
قالوا إنهم أصحاب أرض بجدارة السلاح، ونسوا ألا فرق بين الأرض والموتى. خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الاجساد (المعري). الموتى يتميزون غيظا. يمشون في الشارع، ولا ظل لهم إلا الحق الممكن. يُصعقون وهم مسلحون بيقين هادئ. يموتون ثم يخرجون أكثر انتباها للتاريخ.
من منهم يتذكر أنابيب الغاز؟ من يتذكر المحارق؟ هل كان ثمة من يرثي باقتناع تام كل تلك الأرواح، دون أن يتذكر هولاكو؟
سافر هولاكو. لعق سيفه البارد ومضى. والآن، ها هم يتراكضون خلف القتل. قطاع أراض. رُسل النار الزرقاء. سارقو أحلام. معكرو ميَّاه. مؤرخو أكاذيب. لم يكتفوا بصنع الجثث، ففكروا برؤوس محشوة بالأحقاد في تنفيذ الاجتثاث.