يعتبر الدستور المغربي لسنة 2011 المرجع الأساسي للدولة الاجتماعية، والتوجه الاجتماعي. ولقد ظهرت البوادرالأولى لهذا التوجه منذ سنة 2010 صندوق التكافل الاجتماعي وبموجب المادة 18من قانون المالية لسنة 2012 ،أحدث الحساب الخصوصي المسمى "صندوق دعم التماسك الاجتماعي"؛وذلك بهدف المساهمة في تمويل برامج الدعم الاجتماعي، والمتمثلة فيما : يلي المساهمة في تمويل النفقات المتعلقة بتفعيل نظام المساعدة الطبية، المساهمة في تمويل المساعدة للاشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، سيما تلك المتعلقة بتحسين ظروف تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة وباقتناء الأجهزة الخاصة والمساعدات التقنية الأخرى وتشجيع الاندماج المنهي والأنشطة المدرة للدخل والمساهمة في إحداث وتسييرمراكز الاستقبال المساهمة في النفقات المتعلقة بمكافحة الهدرالمدرسي خاصة تلك المتعلقة بمنح الكتب واللوازم المدرسية برنامج "مليون محفظة وكذا المساعدات المالية المشروطة المباشرة لفائدة الأطفال المتمدرسين من أسر معوزة برنامج تيسير كما ستتعززتدخلات الصندوق طبقا للمادة 13 المكررة من قانون المالية لسنة 2014 ، حيث سيتأتى الدعم المباشر للنساء الأرامل الحاضنات أطفالهن اليتامى في سن التمدرس. هكذا، وفي غضون بضع سنوات، تمكن صندوق دعم التماسك الاجتماعي من لعب دور وازن في مسلسل الدعم إذ بلغ مجموع النفقات التي أنجزها الصندوق 6, 674 مليون درهم، فقط عن الفترة الممتدة من تاريخ إحداثه سنة 2012 إلى نهاية 2016 لكن في تقريره السنوي برسم 2016-2017، سجل المجلس الأعلى للحسابات، في محور مراقبة تسيير الحساب الخصوصي المسمى “صندوق دعم التماسك الاجتماعي”، غياب استراتيجية مندمجة لتفعيل برامج الدعم الاجتماعي تمكن من تحديد الأهداف المتوخاة والفئات المستهدفة ومصادر التمويل. ومن أجل تحسين أداء الصندوق أوصى المجلس بوضع استراتيجية مندمجة في مجال الدعم الاجتماعي بشراكة مع جميع المتدخلين، توضح الأهداف والفئات المستهدفة ومخططات التمويل.
وفي خطاب العرش لسنة 2018، أشارجلالة الملك محمد السادس نصره الله أنه “ليس من المنطق أن نجد أكثر من مائة برنامج للدعم والحماية الاجتماعية من مختلف الأحجام، وترصد لها عشرات المليارات من الدراهم، مشتتة بين العديد من القطاعات الوزارية، والمتدخلين العموميين. وبالإضافة إلى ذلك، فهي تعاني من التداخل، ومن ضعف التناسق فيما بينها، وعدم قدرتها على استهداف الفئات التي تستحقها”. فاعطى تعليماته السامية لوضع “السجل الاجتماعي الموحد”، بصفته آلية الاستهداف الاجتماعي لضمان النجاعة باعتماد الرقمنة لتحقيق التنمية المستدامة لذلك سنتعرف على منظومة الاستهداف اولا ثم نتطرق لعلاقة السجل الاجتماعي الموحد بالرقمنة والتنمية المستدامة ثانيا ونبين تجليات الاستهداف الاجتماعي من خلال برامج الدعم الاجتماعي ثالثا. أولا : تعريف منظومة الاستهداف الاجتماعي.
تتشكل منظومة الاستهداف الاجتماعي من سجلين وهما السجل الوطني للسكان وهو الذي (يستهدف الأشخاص) والسجل الاجتماعي الموحد الذي (يستهدف الأسر)، وانطلاقا من المعطيات التي تضمنتها كلمة الوزير المنتدب لدى وزير الداخلية، والتي تضمنها تقرير لجنة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة بمجلس النواب في اجتماعها المنعقد بتاريخ 3 يوليوز 2020، (ص 12-15) يمكن اختصار التعريف بالسجلين فيما يلي:
1- السجل الوطني للسكان : (RNP) سجل يهم جميع السكان بمن فيهم القاصرون وحديثي الولادة، والأجانب القاطنين بالمغرب، وهو عبارة عن قاعدة بيانات توثق معطيات ذات طابع شخصي لجميع السكان، ويمنح لكل شخص مقيد رقما وطنيا خاصا به، هو “المُعَرِّف المدني الاجتماعي الرقمي”، ويقوم كل فرد من أفراد الأسرة التسجيل في السجل الوطني للسكان والحصول على المعرف الرقمي المدني والاجتماعي (IDCS) الخاص به من خلال التسجيل المسبق عبر الموقع www.rnp. ma ثم إتمام عملية التسجيل بالملحقة الإدارية أو القيادة التابعة لمحل سكناه.
وهذا المعرف سيكتسي أهمية كبيرة لتحقيق النجاعة المرجوة من منظومة تدبير الدعم الاجتماعي أو الخدمات الاجتماعية، كونه سيعمل كمعرف موحد لطالبي الاستفادة من الخدمات التي تقدمها الدولة أو المؤسسات العمومية أو الجماعات الترابية بهذا الخصوص.
2- السجل الاجتماعي الموحد : (RSU) يجب على رب الأسرة (الأب أو الأم أو الأخ أو الأخت إلخ) تسجيل الأسرة في السجل الاجتماعي الموحد مع التصريح بجميع أفرادها، يمكن القيام بطلب التسجيل عبر الإنترنت على الموقع www.rsu.ma دون الحاجة إلى التنقل.وهو آلية تقنية من أجل تنقيط الأسر بناء على البيانات الاجتماعية والاقتصادية الخاصة بها، والتي يدلي بها المصرح باسم الأسرة. كما يتكلف السجل بإعداد قوائم الأسر المستحقة التي تتضمن نتائج التنقيط الخاصة بكل واحدة منها من أجل الاستفادة من برامج الدعم الاجتماعي، وذلك على أساس العتبة المحددة لكل برنامج من طرف الإدارات والجماعات الترابية والهيئات العمومية التي تشرف على هذه البرامج. ثانيا : السجل الاجتماعي والرقمنة والتنمية المستدامة.
القانون رقم 72.18 المتعلق بمنظومة استهداف المستفيدين من برامج الدعم الاجتماعي، وإحداث الوكالة الوطنية للسجلات، يأتي في سياق استكمال تفعيل مسلسل الإصلاح الشامل للمجال الاجتماعي الذي تعرفه بلادنا بفضل الرؤية المتبصرة لجلالة الملك محمد السادس، الرامية إلى إرساء عقد اجتماعي تنموي جديد في إطار متكامل ودقيق، يحقق تنمية متوازنة وعادلة للنسيج المجتمعي والمساهمة في إرساء مناخ السلم الاجتماعي الذي يجعل المواطن، لاسيما الفئات الهشة والفقيرة في صلب عملية الإصلاح التنموي الشامل، والغاية الأساسية منها.
ويأتي هذا القانون في سياق مواكبة التحول الرقمي الذي يشهده العالم، والدور الريادي الذي تلعبه عمليات “الرقمنة العمومية” في جمع وتحديث البيانات الاجتماعية، التي من شأنها أن تسرع وتيرة التدبير الإداري للمجال عبر تسهيل وتجويد عمليات الإصلاح الإداري في الفضاء الاجتماعي من خلال اعتماد معايير دقيقة وموضوعية، وباستعمال التكنولوجيا الحديثة، تفضي بشكل ملموس إلى العناية الدقيقة بقضايا التنمية المستدامة، بشكل يضمن من جهة الفعالية والنجاعة والسرعة في التنفيذ، ومن جهة أخرى تعزيز الشفافية والنزاهة في هذا المجال الذي يتعلق بالمعضلة الاجتماعية، هاته الأخيرة تعتبر بمثابة التحدي الأكبر للنهوض بنموذج تنموي شامل وأكثر تطورا من ذي قبل. إن ورش إحداث السجل الاجتماعي الموحد الرامي إلى تيسير وضبط عمليات استهداف المستفيدين من برامج الدعم الاجتماعي، يعد مشروعا اجتماعيا واستراتيجيا بأبعاد متعددة، وأيضا بطموح واسع الأفق في مجال الحد من الفوارق الاجتماعية والمجالية، كونه يهم فئات واسعة من المغاربة تعد القاعدة الأساس لحيوية للمجتمع وتماسكه في الأزمات ومختلف الفترات العصيبة، ولكونه ورشا اجتماعيا مستداما بالدرجة الأولى.
1- الصحة : صرح وزير الصحة والحماية الاجتماعية أن السجل الاجتماعي الموحد سيمكن من معرفة الأشخاص المستحقين للدعم الاجتماعي واستهدافهم بشكل مباشر، و المعطيات التي سيوفرها ستمكن من مراجعة لائحة الأشخاص الذين تم تسجيلهم في نظام التأمين الإجباري الأساسي على المرض للأشخاص غير القادرين على الأداء.
2- التعليم : حسب مذكرة وزارية صادرة عن وزارة التربية الوطنية بتاريخ 04 ماي 2023 تحث آباء و أولياء التلاميذ على التسجيل في السجل الوطني للسكان و كذا السجل الاجتماعي الموحد من أجل الاستفادة من الخدمات الاجتماعية كبرنامج" تيسير " و المنحة الجامعية.وكذلك دعم الأرامل الجاضنات للأطفال بعدما كانت هذه البرامج مرتبطة ببطاقة راميد.
3- السكن : قدمت وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، أمام جلالة الملك محمد السادس، الخطوط العريضة لبرنامج جديد للمساعدة في مجال السكن، في إطار تنزيل الإرادة الملكية في تعزيز قدرة المواطنين على الولوج إلى سكن لائق. ويروم البرنامج الجديد، الذي يهم الفترة ما بين 2024 و2028، تجديد المقاربة المتعلقة بالمساعدة على تملك السكن ودعم القدرة الشرائية للأسر، من خلال مساعدة مالية مباشرة للمقتني، ويستفيد منها المغاربة المقيمون بالمغرب أو بالخارج الذين لا يتوفرون على سكن بالمغرب ولم يسبق لهم الاستفادة من مساعدة خاصة بالسكن. وذلك من خلال مرسوم سيمكن من تأطير وتدبير الدعم وكذا الفئات المستهدفة وشروط منح الدعم.
خاتمة :
لقد أطلق جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده مجموعة من المشاريع الهادفة لتحقيق السيادة الصحية، وضمان أمن وسلامة المواطنين. وهذا، وفي ظرف أقل من سنة، بلغ عدد المنخرطين في نظام التأمين الإجباري عن المرض، أكثر من ستة ملايين من العاملين غير الأجراء وعائلاتهم. وسيتم استكمال التغطية الصحية الإجبارية، في نهاية هذه السنة، من خلال تعميمها على المستفيدين من نظام “RAMED”.ولقد أكد جلالته على عزمه، بعون الله وتوفيقه، على تنزيل تعميم التعويضات العائلية، تدريجيا، ابتداء من نهاية 2023، وذلك وفق البرنامج المحدد لها. وسيستفيد من هذا المشروع الوطني التضامني، حوالي سبعة ملايين طفل، لاسيما من العائلات الهشة والفقيرة، وثلاثة ملايين أسرة بدون أطفال في سن التمدرس. ولقد دعا جلالته إلى، الإسراع بإخراج السجل الاجتماعي الموحد، باعتباره الآلية الأساسية لمنح الدعم، وضمان نجاعته.
المراجع :
-الملكية السامية خطاب الملك محمد السادس نصره الله بمناسبة الذكرى 19 لتربع جلالته على عرش أسلافه المنعمين بتاريخ 29-07-2018. خطاب جلالة الملك محمد السادس نصره الله بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية الحادية عشربتاريخ 13-10-2023.
القوانين
دستور 2011 القانون رقم 72.18.
قوانين المالية.
التقارير
تقرير المجلس الاعلى للحسابات.
الندوات العلمية
الندوة الاستشرافية لماستر العلوم الادارية والمالية كلية العلوم القانونية الاقتتصادية والاجتماعية السويسي جامعة محمد الخامس الرباط سنة2023.
المشاركات الأكاديمية
الدكتور سي محمد البقالي أستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الخامس بالرباط
عتيق السعيد الباحث الأكاديمي في القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني الدار البيضاء.