دعونا نتبيَّن كيف يمكننا، بكل استسهال خادع، أن نساهم في "تلويث" بلاد عندما نستيقظ ونجد أنها موردة الخدين لأن شعبا مُبهرا لا يتثاءب أمام فرح الفوز بتنظيم كأس العالم، كما لم يبق باردا حين احتقن جزء من أرضه بالزلزال. لعل هذا ما انزلق إلى رأس "خازندار بيت المال غير النظيف"، الطيب منجب، وهو يدفع بدميته الجرداء، شكلا ومحتوى، عبد اللطيف حماموشي، إلى ضرب الأرض بحذائه وصفع الأبواب والصراخ العالي من أجل "حق خاسر ومزور"!
فجريا على عادة النائحات المدسوسات في الأعراس، خرج "الصحافي" و"الباحث"، ليعلن في مشهد مسرحي بائس، ودون أن يرف له جفن، أن السلطات المغربية منعته من السفر إلى سراييفو، عاصمة البوسنة والهرسك. والحال أن الحق لا يكون حقا إلا إذا كان يتوفر على أصابع كاملة.
لقد نسي حماموشي أن مسرحيته يعوزها النص المتماسك، بناء وحبكة، وألا مجال ليغرق الركح بدموعه إذا كانت "قضيته بأعلام ممزقة" ولا تستحق منها إلا التهكم، وإلا فأين السكين إذا كانت هذه هي الرقبة المذبوحة، وأين الرقبة إذا كانت هذه هي السكين؟
لقد حاول حماموشي أن يقلب فرح المغاربة أسفله على أعلاه، وأن يظهر لمتابعيه أن "المنع" هو حقيقة الحقائق، وأن البلاد بكل رجالاتها ومؤسساتها وهيئاتها ترتجف إذا غادرها إلى دولة أخرى. من يدري؟ لعله قادر على قيادة انقلاب عسكري بسبابته، أو بإمكانه بكشف إلهي ما، ربما، أن يجعل المغاربة يفكون ارتباطهم برموز سيادتهم، أو ربما يعتقد أن "سيده" يملك الطريق إلى المجد، وأن توليد الخشخشة في صدر الوطن يسهل الحصول على الأوسمة الدولية.
لم يدرك حماموشي أن "تجارة النضال" قد كسدت، وأن الكد من أجل الاستفادة من "الحماية الفرنسية" احتيال لم يعد ينطلي على أحد، وأن رسائل الغرام إلى "ماما فرنسا" لا تجدي، وأن "معارضة الجميع" أصبحت مثل القطة المقذوفة من النافذة!
ادعى حماموشي، زورا وبهتانا وإمعانا وإصرارا، أنه منع من الالتحاق بطائرته المتوجهة إلى البوسنة، والحال أنه لم يكن يستجيب للشروط القانونية التي تخول له السفر نحو بلد أوروبي لا يتوفر على تأشيرته. وهذا ما يعني أنه اختار أن "يهرج" خارج الحق، لا لشيء سوى ليرضي "عرابه" المتجمع في مكان ما من اليأس. وهذا ما جعله يبدو مثل طفل ضُرب على يده لعجزه عن تصريف فعل "سافر".
وبالعودة إلى أثر الباطل الذي رماه حماموشي، نتبين بوضوح أن السلطات المغربية لم تمنع الرجل من السفر كما يدعي، بل أدركت من وثائقه أنه "مسافر هائم"، وأن "عين العقل" هو إلغاء رحلته لعيب في المعايير القانونية المنصوص عليها، وهو عدم حصوله على "التأشيرة". وهذا ما اعترف به، بكل صفاقة، في مقطع الفيديو الذي سجله، حيث قال إن السلطات قامت بالتأشير على جواز سفره بعبارة "Annulé"، يعني مُلغى، وليس "Interdit" ممنوع. فهل يدرك الفرق بين الكلمتين، أم أن نية الإساءة واردة؟
فالمنع من السفر، حسب القانون، لا يكون إلا عند نشر مذكرة بحث تخص المعني بالأمر، أو صدور أمر بالاعتقال ضده، وهذا غير متحقق في حالة حماموشي، مما يعني أن الرجل يريد أن "يسافر" خارج الإطارات القانونية للسفر. يريد أن يستفيد من الامتياز "الديبلوماسي" أو"الحكومي"، والحال أنه ليس سفيرا ولا موظفا في الخارجية، ولا وزيرا، ولا رجل دولة، ولا مبعوثا أمميا. الرجل يقول عن نفسه إنه صحافي، ولا نعلم إن كان الصحافي له امتياز السفر دون تأشيرة إلى بلد يستلزم الدخول إليه الحصول على تأشيرة. كما يقول عن نفسه إنه باحث، ولا ندري إن كان البحث عن "البق" في صميم العمل الأكاديمي البناء.
وعلى ذلك، فإن أقصى ما يمكن أن يفعله حماموشي، إن كان يتوفر على ذرة حياء، هو أن يعض شقوق الخدران، وأين يتساءل بعمق: "حقا.. أين طريقي!؟"