إدريس الأندلسي: 120 مليار درهم للإعمار وإعادة الأمل.. مسؤولية الإنجاز أولا

إدريس الأندلسي: 120 مليار درهم للإعمار وإعادة الأمل.. مسؤولية الإنجاز أولا إدريس الأندلسي
التخلف والتأخر العلمي سوء الخدمات العمومية ليس قدرا بل نتيجة لسوء التدبير والتكوين وخيانة الأمانة وتسلط الخبث والجهل على السياسة. التنمية القوية إرادة أولا وثانيا وأخيرا. هذه الإرادة قد تواجه غياب الأطر والبنيات التحتية والغش الضريبي والتلاعب بالصفقات العمومية وغياب العدالة الاجتماعية، ولكن قوتها وصدقيتها وتغييب جريمة تضارب المصالح لدى القيادات الصالحة تمكنها من الفعل في الواقع.

تعودنا منذ عقدين من تسجيل بعض النقط على التخلف وذلك بفضل الإرادة السياسية. ولا زالت لدينا الكثير من  الأهداف الاستراتيجية التي يجب تحقيقها في مجال التنمية والعدالة الإجتماعية. عشنا قبل عقود أزمات التمويل الميزانياتي، ووقفت مشاريع لسنوات قبل أن يتم الشروع في إتمام إنجازها. وللذكرى توقف مشروع الطريق السيار لسنوات خلال الثمانينات. ولم تصل هذه الطريق من بوزنيقة إلى الرباط إلا في التسعينات. لكن الدولة شعرت بضرورة تبني سياسات إستراتيجية وإرادية مهما كانت تكلفتها. ونتج عن هذه الإرادة مركب مينائي كبير على البحر الأبيض المتوسط وشبكة طرق سيارة ومناطق صناعية لوجيستيكية وتوجه نحو محاربة الفوارق الإجتماعية والمجالية. ولا يمكن لعاقل أن يغفل تملص الطبقة الإجتماعية التي تراكم الثروة  والقرار الحزبي الانتخابي والريع الإقتصادي في بلادنا. ولنا في خطاب ملك البلاد خير دليل على هذا الوضع. "أين الثروة؟"، هكذا تكلم من يحمل الأمانة الكبرى أمام برلمان الأمة.

واليوم، وبعد كارثة الزلزال،  تبين أن الإرادة السياسة والثقافة التضامنية هي عماد هذا الوطن. الآن سندخل جميعا إلى مدرسة تغيير الواقع والنهوض ببلادنا أو سنخطأ الموعد مع التاريخ إلى الأبد. المغاربة أعطوا دمهم وفي مقدمتهم عاهل  البلاد. الفقير قبل الغني تقاسم لقمته مع أخيه و المغربي تشارك وتضامنا مع صنوه في الأطلس الكبير خلال معركة مواجهة آثار فاجعة الزلزال. وكل ما ذكر لا يعني أننا لا نعاني من ظلم فئات إجتماعية قليلة راكمت خيرات الوطن بغير جهد استثماري  وسيطرت على القرار السياسي فشوهت التدبير العمومي وأدخلت البلاد في نفق إجتماعي خطير. تبنت الكثير من الأحزاب تغييب الكفاءة والنزاهة والمستوى الدراسي من خلال اجماعها على القوانين لا تفرض أي مستوى دراسي على من يتقدم للانتخابات. وأصبح سوق التزكيات مربحا ومنشطا قويا لبلوغ أقصى درجات الانحطاط  الحزبي.

اليوم وبعد جهد الملك والشعب تمكننا من مواجهة الآثار الأولى للزلزال ولا زالت الطريق أمامنا طويلة ووعرة. المهم أننا نجحنا في اجتياز المرحلة الأولى رغم تكالب قوى الإستعمار الجديد وأبواقها الإعلامية مدفوعة الأجر. 

أمامنا طريق ولدينا إمكانيات يجب أن نحسن توظيفها لتحسين عيش المواطن وفتح الطريق للخروج إلى رحابة اقتصادية كبيرة وطموحة. لدينا ميزانية كبيرة تتجاوز 120 مليار درهم  تحتم علينا أن نقطع الطريق على من يريد إدخالها في أنفاق المساطر الإدارية القديمة. هذه الميزانية تختلف عن كل الميزانيات التي تتم برمجتها على مدى سنوات. الأمر يتعلق بالصرف بإيقاع سريع على مشاريع مستعجلة تهم الوطن وسمعته. نريد أن ينقلب السحر على الساحر الذي  طالما  ظلمنا وأن تكون إرادة الإستثمار محطة لتقوية نسيج المقاولات الوطنية في مجال الطرق  والبناء  وصناعة الأسمنت  والحديد وكافة مواد بناء الطرق  والمنازل والسدود. 

الإرادة السياسية لا يمكن أن تقف في وجهها أية إرادة دنيوية. سننجع في تدبير 120 مليار  وما يرافقها من مئات الصفقات عبر أساليب رقابية بعدية مهنية وعميقة.  وأكثر الرقابات فعلا في مجال تغيير الواقع هي تلك التي تركز على فاعلية الإنجاز وعلى محاسبة دقيقة للمسؤولين وتستهدف كل أشكال الاغتناء غير المشروع.  حين نتكلم عن المجهود الإستثماري العام، يجب أن  نستحضر ضرورة دعم المقاولة الوطنية عبر الطلب العمومي. وحين ندعم مقاولتنا الوطنية فإننا نزيد من قدرتنا على زيادة مواردنا الإقتصادية والمالية والجبائية. والمتجاهل لهذا المقصود عدو نفسه وبلاده.

قبل استئناف كتابة هذه الأسطر، اطلعت على مكونات تدبير ميزانية إعادة إعمار الأقاليم المتضررة من الزلزال. المخطط الذي قدمه الوزير فوزي لقجع واقعي وعملي ويركز على استهدافات  ذات مدلول عميق. الأولويات تم وضعها في تناسب مع ما هو مستعجل . أما  الاستثمارات التي سيتغير بنيات الأقاليم المحيطة بالجانب الجبلي لمراكش فقد برمجت على مدى متوسط.  والأهم في هذا كله هو تلك الضمانة المؤسساتية الخاصة بالإنجاز وتنفيذ البرنامج الإستثماري في رمته.  لن أخفي ترحيبي بكل عمل يتم اسناده إلى وحدة للتنفيذ سواء كانت وكالة أو مؤسسة عمومية أو شركة خاصة ذات تجربة مهنية عالية. تجربة وكالات التنمية للجهات تمثل تجربة جيدة في تاريخنا المعاصر. وتوجد على رأس هذه الوكالات تلك التي تم تخصيصها لأقاليم الشمال.  

البنيات المؤسساتية لتنفيذ المشاريع أساسية جدا لضمان متابعة مهنية لكافة مكونات البرنامج الإستثماري. لو تم تمكين وكالة تنمية اقاليم الشمال من كل الميزانيات القطاعية التي وجهت لبرنامج مواجهة آثار زلزال الحسيمة، لما تمت إزاحة الكثير من المسؤولين قبل سنين. إيقاع التنفيذ لدى الوزارات ضعيف بالنسبة لإيقاع وحدات التنفيذ المستقلة كالوكالات. لدى هذه الأخيرة قدرة كبيرة على التخلص من السلوكات البيروقراطية  وسهولة خضوعها للمراقبة البعدية. أتمنى أن يتم تكليف وحدة للتنفيذ ذات قدرة على العمل بسرعة وبدراية مهنية بسبل النجاح في الإنجاز. لا يهم أن يكون على رأسها مسؤول كبير جدا ولكن لا يجب أن يتم اغراقها بذوي القوة الشبكاتية والقرب من مراكز القرار.يجب أن تكون قليلة العدد، كثيرة الخبرة، بعيدة عن التعقيدات الإدارية وقادرة على مواجهة التكاليف غير المتوقعة لأي مشروع في إطار البرنامج الإستثماري. المهم هو قوة الإنجاز والاستجابة لحاجيات تنمية المنطقة وعدم الاختباء وراء الأعذار المتعلقة بالقانون المنظم للصفقات أوبغيرها  من الأسباب التي قد تؤثر على تأخر آجال التنفيذ. 

لدينا مقاولات مغربية تفوق خبرتها ووسائلها مقاولات أجنبية ولنا رأسمال بشري كبير من المهندسين  والتقنيين  والعمال وهذا ما اثبته مواجهة الآثار الأولى للزلزال. يجب أن نبني الثقة في هذا الرأسمال لكي ننجح جميعا. الأمر بين أيدينا وأمامنا فرصة لتقوية الثقة في مؤسساتنا. المهندس المغربي والخبير المغربي والطبيب المغربي لا يجب أن يخضع لسلطة منتخب لا تكوين له ولا يحمل هما وطنيا  ولم يراكم، منذ سنين، إلا أموالا  وعقارات لا يمكن أن يبرر مصدرها المشروع.  والسلام على من اتبع أخلاق بناء الأوطان.