أول مرة في حياتي أشرب الشاي الموريتاني بقواعده وأصوله، فهو في الحقيقة مميز وأفضل مما كنت أتصور؛ لهذا جلسات الموريتانيين لا تكمل من دون حضور الشاي، حيث لا يخلو أي بيت موريتاني من ثلاث جلسات في اليوم لهذا "المشروب الساحر"، الذي يعد عنصرا مهما لدى أهالي بلاد شنقيط، حتى أنه أصبح يكعس ثقافة وهوية البلد بشكل أو بآخر ..
ومن شروط تحضير الشاي الموريتاني فقد جعلوها في قانون "الجيمات" الثلاثة، المُشْتَرَطِ توَفرها لجلسة شاي نموذجيةوالتي تتجسَّد عندهم في:
- الجَماعة وهي شرط أساسي في صنع الشاي، وتعني جلساء مجلس الشاي.
- "الجَّر" وهو طول التحْضير حيث يمتد تحضير كؤوس الشاي الثلاثة إلى ساعة فما وفق.
- الجَمَر، وهو الفحم الذي يُساعد هو الأخر على إطالة أمَدِ الجلسة، المُنْعَقِدَةِ، حوْل الشاي، والتي لا يُرادُ لهَا أن تنفَض بسرعة.
أما الرغوة وهي عمائمُ بيْضاءَ تتوِّج كاساتِ الشاي، ومن بين أبرز مواصفات الشاي الموريتاني، بل إنها دليل على اتقان "القيام" لمهمته. وقد رصَدَ الشعر الموريتاني بدقة طريقةَ تحضير هذا المشروب السحري، في طوْر خلْط مُكَوِّناته، وعلاجه، وتدويره بيْن الكؤوس، حتى يصبحَ كُمَيْتَ اللون، مُعتَّقا، مُزَّ الطَّعْم، بين مرارة الشاي، وحلاوة السكر..
وكتبت حوله العديد من المؤلفات والأبحاث وكذلك القصائد، تجسد في معظمها ارتباط المجتمع الموريتاني بالشاي، وفي هذا السياق يقول أحد الشعراء الشناقطة في وصفه إحدى جلسات الشاي:
- يُقيمُ لنا مولايُ والليلُ مقمرٌ..وأضواءُ مِصباح الزجاجة تُزْهِرُ .
- وقد نسَمَت ريحُ الشمال على الرُّبى..نسيما بأذيال الدجى يتعَثرُ .
- كؤوسًا من الشاي الشهيِّ شهيةً..يطيب بها ليل التمام فيقصُرُ .