عزوزي بوزيد: لقد ولى زمن "السؤال المعرفي" وحل مكانه زمن "السؤال المنهجي"

عزوزي بوزيد: لقد ولى زمن "السؤال المعرفي" وحل مكانه زمن "السؤال المنهجي" عزوزي بوزيد
إذا كانت المحاور الثلاثة المقدمة أمام مجلس الحكومة ما قبل الأخير:  
"التمكين والتمييز والإبتكار" 
كإطار عام  للسنة الدراسية الجامعية هي الأرضية المزمع البناء عليها للسير قدما بالدراسات الجامعية، فالواقع كمين بأن يخبرنا نهاية شهر يونيو 2024 بمدى قدرة الجسم الجامعي من أساتذة وطلبة وإدارة من التمكن من التطبيق العملي والخروج باستنتاجات إيجابية تمكننا من إنتاج قفزات نوعية كبيرة نحو الآفاق المنتظرة، المتفاعلة مع واقعنا كوطن ومستقبل، وكأمة تبني مصيرها بمسؤولية عالية منصهرة مع حاجيات مجتمعنا المغربي ورغباته وقدراته القوية على خلق أرضية صلبة للأجيال الصاعدة تؤمن حياة الوطن وكرامة المواطنين على مدى الأزمان القادمة.

 
في بداية كل سنة دراسية جامعية من عام 1996 حتى سنة 2016 أي على مدى 20 عاما ، بعد ان غادرت البنك الوطني للإنماء الإقتصادي واتصالات المغرب ووكالة تنمية الشمال ، كنت أقف أمام:
- 200 طالب وطالبة سنهم بين 16,5 و 20 سنة بالسلك العادي Cycle Normal الذي أصبح المدرسة الكبرى Grande École بالمعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولات بالدارالبيضاء في المدرجات خلال 4 سنوات متتالية على مدى 20 سنة.
- أو 60 طالب وطالبة بالرباط بنفس السن خلال 3 سنوات متتابعة لنفس عدد السنين والأعوام.
- أو 12 إلى 15 مشارك.ة-مساهم.ة/طالب كبير في السلك العالي للتدبير ISCAE - Cycle Supérieur de Gestion  -مجموعة الأبحاث - Groupes de Recherches من خيرة أطر مملكتنا السعيدة، الذين كانوا يحجون لمعهدنا، بعد مباراة صعبة المراس ، من أجل السمو بمستواهم المعرفي والتكويني والديداكتيكي في إطار بيداغوجي متميز، من وزراء سابقين وعمال عمالات وولات ولايات جهوية وأمنية وعمداء كليات ومؤسسات وطنية وأساتذة جامعيين وضباط سامين من الجيش الملكي والدرك الملكي والأمن الوطني والقوات المساعدة ورؤساء بلديات كبرى وموثقين ومحامين ومهندسين وأطباء ومديرين مركزيين بالإدارات المركزية ورؤساء شركات ورجال سلطة من باشوات وقياد ممتازين وقياد وحتى بعض الصحفيين السامين من خيرة صحفيي وطننا الغالي، كلهم كانوا طلبة عندي في مجموعة الأبحاث بالسلك العالي للتدبير C.S.G.-G.R بالعاصمتين الإدارية والإقتصادية وذلك على مدى أكثر من 20 سنة للتدريس والتكوين والتلقين والتأطير والتوجيه والمواكبة ... 
كنت دائما اقول لهم  في بداية كل سنة دراسية جامعية: 
" نسبيا ... لقد ولى "عهد الذاكرة" وحل "زمن الذكاء وتفعيل التفاعل بين المعطيات الوضعية. 
أنتم هنا أمامي فانسوا رتبكم ووظائفكم بمجرد ان تطأ أقدامكم باب المعهد، لقد جئتم لتنصهروا في عالم ابتكار وتغيير المحيط المعرفي، وبالتالي عن كل ما سيترتب عن هذا المسلك على المستوى الإداري والمجتمعي عن طريق تسطير "منهجية التشخيص" diagnostic stratégique من أجل تحيين معرفتكم، وتغيير محيطكم للأحسن والأفضل عن طريق تسطير "استراتيجيات التنمية التغييرية" développement stratégique وبالتالي تأطير إداراتنا العمومية والخاصة من أجل مردودية أفضل وإنتاجية أقوى وتغيير أصلح، وبالتالي المساهمة بالقدر المطلوب والممكن بالرفع من مستوى أمتنا الحبيبة."
طيلة حياتي المهنية والجامعية والمجتمعية ..
سنحت لي الظروف أن تخصصت في فضاءات التسيير والتدبير والإدارة بكل مدارسها ومشاربها وتنوعاتها واتجاهاتها وقوالبها وتصنيفاتها الدقيقة والأدق دقة la GESTION est une discipline eclectique موازاة مع التخصصات الإقتصادية والمالية مع التدقيق على التخصص في "دراسة منهجية البحث"  méthodologie de recherche التي من خلالها أدرت أكثر من 200 أطروحة ورسالة - انظر مكتبات المعهد العالي للتجارة بالرباط والدارالبيضاء ومعهد إدارة الصحة ومكتبة معهد التجارة بمدينة نانسي بشرق فرنسا وإيسيك-باريس Essec-Paris بالعاصمة الفرنسية التي تؤسس لسبل وأطر المعرفة الأساسية اللآزمة المبلورة لقوالب منهجية تعمل بقوة وفاعلية على خلق وابتكار وبلورة مناهج تعمل على الرفع من مستوى بلادنا إلى مقدمة الدول التي تسعى إلى اللحاق بالدول التي تصنف نفسها متقدمة .
إن "المعرفة" في حد ذاتها لم تبق حكرا على فرد دون آخر أو مجموعة دون أخرى أو على ذاكرة دون سواها ، لقد أصبحت المعرفة في "متناول الكل" بمجرد "نقرة clic" على الشبكة العنكبوتية web- internet وبالتالي فالسؤال الوجيه هو : 
"كيف العمل وما العمل بالمعطيات الوضعية والموضوعية" 
وليس: 
"ما هو المعطى ؟ " لأنه أصبح في متناول الكل بكل سهولة ...
في نازلتنا هاته، "الذكاء العملي" هو القدرة على "وضع السؤال الوجيه في الزمن المحدد والوقت الصائب" وبالأسلوب الوظيفي المتميز المحترم للأنطولوجيا الألفبائية .
كل سؤال او تساؤل هو عاكس لهدف طارحه ومستوى صاحبه ومنظور واضعه أو المستأنس به او معه أو إليه .
كأستاذ جامعي بالمعاهد العليا، بالمغرب  وخارجه، و كمسؤول سامي بالإدارات الشبه العمومية والخاصة ، دأبت دائما وأبدا خلال وطيلة حياتي المهنية الممتدة على نصف قرن على العمل من أجل المساهمة عن طريق الدفع بوطننا الغالي إلى أعلى المستويات عن طريق "إعطاء المثل" و"تلقين الخوارزمات الأساسية" في إطار "المنهجيات الكيفية والمتكيفة مع واقع الحال" في إطار "التشجيع على تفعيل الذكاء الفردي ثم الجماعي intelligence collective" أكثر من أطر المناهج الأنانية الفردانية التي أكل عليها الدهر وشرب من صنف : "من يعرف أكثر" أو "أنا أعرف وأنت لا تعرف" ، خصوصا منذ ان برزت التكنولوجيات الحديثة التي توفر "الجواب الآني لكل سؤال مهما كانت وعورته وخلفياته ".
لقد ولى زمن "السؤال المعرفي" وحل مكانه زمن "السؤال المنهجي" .
إذا فهم "فقهاء الإدارة والمتفقهين في بعض الإدارات" هذا الطرح فقد قفزوا قفزة نوعية عالية وبعيدة .
لقد منحت  لي فرصة التعبير عن إشكالية موضوعاتية لا زالت، مع الأسف الشديد،  ترافق بإلحاح عددا من "أطرنا" الذين لم يتمكنوا بعد من الخروج من "عالم كلاسيكي قديم جدا" أكل عليه الدهر وشرب إلى فضاء "المنهج البحثي التدبيري" وينسلخوا من عالم "حشو الذاكرة" من شاكلة : "هل تعرف ؟ هل تعلم ؟ هل اطلعت ؟ هل أخبرت ؟ ما هو جوابك عن ذاكرتك ؟" 
 إلى زمن: 
"كيف ؟" ومنح الذكاء فرصة تفعيل تفاعلاته الخلقية والمكتسبة ، وتحرير العقل من النقل إلى النقد وتفعيل التفاعل بين المعطيات الوضعية والموضوعية من أجل التقدم العلمي والتنمية المجتمعية ذات الأبعاد كل الأبعاد بدأ بالإقتصادية وانتهاء بالثقافية مرورا بالتقنية وغيرها كثير .
 
 
بوزيد عزوزي/  أستاذ جامعي ومدير سابق لمدرسة ISCAE الرباط