قدمت فرقة أرض الشاون للثقافات، بدعم من وزارة الشباب و الثقافة والتواصل -قطاع الثقافة، أمس الجمعة 22 شتنبر 2023، عرضها المسرحي الجديد "لافيراي"، بقاعة العروض للمسرح الكبير بن مسيك بالدار البيضاء.
وقد عرف هذا العرض المسرحي تجاوبا ملفتا من طرف الجمهور، الذي تتبع هذه الفرجة الركحية من بدايتها إلى نهايتها، حيث تضمنت المسرحية لوحات امتزج فيها المونولوغ بالتعبير الجسدي، إضافة إلى مشاهد احتفالية من صلب التراث المغربي الأصيل، وتطرقت المسرحية تارة بشكل رمزي وتارة أخرى بشكل مباشر لطابوهات الدين والسياسة والجنس، كما تضمنت إشارات بجرأة كبيرة لموضوعي تعدد الزوجات والمثلية، لكن لم تحاكم أو تشرعن المسرحية الظواهر المجتمعية التي تطرقت لها، بل رصدتها بشكل منسجم مع حكايات شخوص المسرحية وأحدثها المتخيلة، اعتمادا على فكرها وأبعادها النفسية والاجتماعية والثقافية داخل الحكي المسرحي.
وتنطلق أحداث المسرحية، من حفل زفاف تظهر فيه خمس شخصيات، مختلفة الأبعاد النفسية والاجتماعية والثقافية، تتباين طريقة نظرتها للحياة والدين والمرأة والحريات، ضمن نسق مسرحي يبسط من خلال هذا الطرح الفلسفي، مفاتيح رصد أسباب وتجليات التناقض، الذي يميز الطبقات الاجتماعية والفكرية، التي تنتمي لها الشخصيات الخمس لنص مسرحية "لافيراي"، حيث يبرز داخل مشاهدها الصراع الفكري بين شخوص المسرحية، استلهاما وإسقاطا من وعلى أهم التيارات الإيديولوجية المؤثرة في المجتمع المغربي في الماضي والحاضر ، وقد تميز أسلوب الطرح بجرعات نقد ساخرة وجرأة فوق المعتاد، مقارنة بأغلب العروض المسرحية المغربية، التي اشتغلت على طرح جدلية الدين والحريات وصورة و واقع المرأة في المجتمع المحافظ.
وتستمثر "لافيراي"، هذا الاختلاف والتناقض فكريا واجتماعيا، لتفكيك وإعادة تركيب تجارب وقناعات شخصيات المسرحية، من خلال تقديم حكاية كل شخصية في علاقتها بمحيطها فكريا وأيضا في علاقتها بالمرأة سواء كحبيبة أو زوجة أو ابنة، مع عكس زاوية المعالجة من خلال الشخصية النسائية، التي تحكي حكايتها في مشاهد "لافيراي"، انطلاقا من معاناتها من نظرة المجتمع الذكوري للمرأة "في أغلب الحالات" .. واعتبارها "مشروع" فضيحة موقوتة، وتحميلها وزر مأساة نساء أو فتيات أخريات تعرضن لوضع اجتماعي قاهر، بسبب الاغتصاب أو العلاقات خارج إطار الزواج والأحكام الجاهزة ونمط الفكر.
وقد تميزت مسرحية "لافيراي"، بتألق أعضاء فرقة أرض الشاون للثقافات، من حيث الأداء المسرحي، الذي تميز بالمبالغة الجميلة والكوميديا الساخرة والموقف الضاحك، وتبادل الأدوار والغناء والرقص والميم، والمونولوغ وعرف العرض تناغما فنيا وتقنيا بين كل اللوحات، التي تم تقديمها داخل فضاء ركحي بسينوغرافيا اختزلت بشكل ذكي ديكورات الحكايات واعتمدت على تثبيت خمس أبواب بيضاء، مقابل الشخوص الخمسة للمسرحية، وهي أبواب يمكن فتحها وغلقها وتغيير وضعها، انسجاما مع توالي أحداث وفترات ومشاهد هذه الفرجة المسرحية، وأيضا ارتكازا على رمزية الباب ماديا كجزء من بناية ومدخلها ومعنويا كمدخل لبنية فكرية، وكانت رمزية ظهور الشخصيات الخمس بعد فتح الأبواب، انطلاقة لفرجة اجتماعية وفلسفية، تستمد أسلوبها من ثقافة وفكر وتجربة كل الشخوص الخمسة من أبطال مسرحية "لافيراي".
وتجدر الإشارة أن نص مسرحية "لافيراي" للداماتورج أنس العاقل، وهي من إخراج ياسين أحجام، وقام بتشخيص أدوارها كل من قدس جندل، ومنصف القبري، ورضى بنعيم، ويونس شارة، وزهير أيت بنجدي، فيما تعود سينوغرافيا العرض لنورا إسماعيل والإنارة المسرحية لياسين الزاوي.