أكيد أنك تلقيت، كباقي المغاربة، خبر الزلزال المدمر، الذي ضرب منطقة شاسعة ببلادنا بشكل فجائي، ما هو المفاجئ في هذا الواقعة بالنسبة لك؟
المفاجى في هذه الزلزال المدمر، أن جهة مراكش لم يسبق لها أن عاشت مثل هذه الكارثة الطبيعية، والمعروف أن المنطقة المتضررة من الزلزال، هي مجال شاسع بترابه، وبجماعاته القروية، ودواوريها المتفرقة وهشاشتها الاجتماعية والاقتصادية والمجالية، أيضا هناك ساكنة تعيش حالات عزل اجتماعي واقتصادي، ناهيك عن قساوة في العيش، نظرا لانعدام البنيات التحتية والتجهيزات الأساسية، من طرقات ومسالك تيسر الحياة المعيشية للناس. ليس هذا فقط ، فالزلزال الذي ضرب المنطقة وبؤرته، كما هو معلوم، جماعة إيغيل القروية النائية، ولكم أن تتخيلوا لو كانت هذه البؤرة مراكش، لكان هناك عشرات الآلاف من الضحايا، ولكن الألطاف الإلهية كانت إلى جانب هذا المواطن المغربي. ومن هنا لابد للإشارة لجغرافية إقليم الحوز المعروفة بقساوة وجمال طبيعته، ومن هذا المنظور لابد من التأكيد على أن المنطقة مازالت تعاني على كل المستويات، من الهشاشة والفقر إلى العزلة التامة لبعض الدواوير، اليوم، وقد حان الوقت لرد الاعتبار لهذه المنطقة ولساكنتها، بعد أن ضربت الكارثة خمسة أقاليم. أما ما تم تسجيله بعد هذه الواقعة، من تلاحم وتضامن واسعين، لجميع مكونات الشعب المغربي، من الشمال والجنوب، من أعلى سلطة في البلاد إلى أبسط مواطن ومواطنة، سيحتم علينا جميعا مواصلة العمل بجد وبنفس الحماس لإعادة الحياة لطبيعتها وأفضل.
ساهم مركز التنمية لجهة تانسيفت كباقي المؤسسات، في عمليات التضامن والإحتواء، كيف تتبعتم هذه المبادرات الإنسانية؟
أولا، لابد للاشارة، وفي خضم هذه الأمواج من التضامن والتلاحم، تم تسجيل ظهور شرذمة من تجار الكوارث ، وهي شرذمة معزولة، وهنا سأقول ألا مجال لها بيننا. ثانيا، أكيد أن الكارثة خلفت أضرارا ومآسي حقيقية على الساكنة وعلى المجال بمداشره. قمنا بوضع خلية أزمة، بشراكة مع عدد من الجمعيات بالمنطقة، التي تربطنا بها علاقات جمعوية، حيث حددنا إطار عمل مشترك، تنفيذه مازال متواصلا، منها فتح حساب بنكي لجمع التبرعات وجمع المواد الغذائية والألبسة وكل الضروريات لمسايرة حياة أفضل، قمنا بتوزيعها على ساكنة الدواوير المتضررة والأكثر تضررا من الزلزال، أيضا هناك التبرعات الخارجية من إسبانيا وفرنسا، فضلا على التبرعات المحلية، حيث خصصنا لهذا الغرض مخزن لجمع المساعدات والتبرعات قبل القيام بتوزيعها على المناطق المنكوبة، والتي عاين أعضاء المركز بإمكاناته المادية واللوجيستية أوضاعها، وقفنا خلالها على صور مأساوية للمئات من المواطنين المتضررين، الذين هدمت دورهم وضاعت أرزاقهم، كما وقفنا على طرقات قطعت وأخرى انهارت بالكامل، وتتطلب إصلاحات عاجلة، لفك العزلة، خاصة ونحن على أبواب فصل الشتاء.
يعتبر إعادة إعمار المناطق المنكوبة، هو من الأولويات، أملا في حياة جديدة، في نظرك ما هي المداخل الحقيقية لإعمار ناجح ومستدام؟
يجب علينا جميعا أن نستفيد من هذه الكارثة التي ضربت منطقة مهمة بلادنا، ونستثمرها برؤية مستقبلية، قادرة على شفاء كل تلك الجروح التي تسبب فيها الزلزال. فمن منظورنا في مركز التنمية لجهة تانسيفت، يجب التركيز ليس فقط على إعادة الإعمار أو إعادة البناء، لما هدمه الزلزال، بل التركيز على إعادة إعمار المجال بأكمله، خاصة وأن المنطقة هي مجال شاسع، فهناك ساكنة في دواوير متفرقة على رقعة جغرافية منطقة عانت وتعاني الفقر والهشاشة والعزلة لعقود. وفي هذا الصدد نرى بضرورة إقامة تجمعات سكنية نموذجية، بمواصفات معينة، بدل تشتيتها في دواوير متفرقة. بمعنى أن تكون تجمعات ملائمة لخصوصية المنطقة وثقافتها بمنظور عصري، يلائم حاجيات الساكنة وتشبتهم بترابهم... المرحلة التي نعيشها، أن الزلزال فتح لنا فرصة جديدة للدفع بتنمية مستدامة وشاملة لهذه المناطق الجبلية التي عانت العزلة والإقصاء، مع الإشارة لمناطق شبيهة في مناطق أخرى يجب التفكير فيها، وذلك بإدخال المعايير المعاصرة في البناء والعمران واستعمال المواد المضادة للكوارث الطبيعية، منها الزلازل، والخروج من النمط العشوائي والتقليدي في البناء، الذي تتميز به القرى بالمغرب، ومن بينها قرى في إقليم الحوز وقرى أخرى مغربية تعيش نفس السمات.. المجالات الأخرى التي يجب التفكير فيها، هي خلق مجالات للعمل والعيش الكريم، يرد الاعتبار لساكنتها، حتى نحقق ما ننادي به وما نتكلم عنه وهو مفهوم التنمية المندمجة، خاصة لهذا المغرب المنسي... نحن مع بناء تجمعات سكنية يراعى فيها الإرث المعماري التاريخي وتأخذ بعين الاعتبار برودة الطقس وتهاطل الثلوج كما ينبغي أن تتوفر هاته التجمعات السكنية على كل المرافق الاجتماعية والصحية والترفيهية حتى لا يغادرها الشباب ويقصد وجهات بديلة منها مدينة مراكش. أيضا خلق مجالات فلاحية مندمجة، وأنشطة سياحية مدرة للدخل، وإرساء بنيات تحتية في المستوى المطلوب، من طرقات ومؤسسات القرب، كما نقترح تشييد معهد لتكوين المرشدين السياحيين الجبليين، مع دعم الصناعة التقليدية المحلية والمنتجات الزراعية الطبية العطرية والمعيشية، وتطوير الاقتصاد السياحي الترابي المحلي عبر تأهيل المآوي السياحية التقليدية والعصرية التي تعرفها المنطقة، وخلق وكالة خاصة بالجبل، مع إرساء حكامة صارمة، والضرب بيد من حديد على كل من ستسول له نفسه وأفعاله، التلاعب بهذه القضية الوطنية.
ما طبيعة التنمية المنشودة للمنطقة من وجهات نظر مركز التنمية لجهة تانسيفت، وما خطة عملكم للمرحلة المقبلة كبداية إعمار حقيقي؟
لا بد للإشارة أن كل إعمار مجالي في المستوى المطلوب سيعود بالنفع على الجميع، كما سيحد من كل مؤشرات الفقر والتهميش التي عانى منها المغرب عالميا، وبالتالي فعندما ننجح في إدماج المواطنين المتضررين في التنمية المنشودة، سيرتفع سلم ومكانة المغرب، وبالتالي استقراره الاجتماعي والاقتصادي وتشجيع المستثمرين والاستثمار. وكمبادرات سيقوم بها مركز التنمية لجهة تانسيفت، في هذا الصدد، فقد تقرر تنظيم يوم دراسي يشارك فيه جميع المتدخلين، من أبناء المناطق المتضررة، ومن الفلاحين والمهندسين والجيولجيين والخبراء والسلطات المحلية وغيرهم، لتقديم مقترحات عملية للجهات المعنية، من أجل إعمار حقيقي يضمد الجراح.