"دولة حبيبة لقلالش" في مطارات المغرب!

"دولة حبيبة لقلالش" في مطارات المغرب! عبد الرحيم أريري
من اللحظات القوية في فیلم "La folie des hommes" للمخرج "رينزو مارتينيلي"، قيام بطلة الفيلم "تینا مولان"، الصحفية في جريدة L'Unita الإيطالية، بمخاطبة زوجها قائلة: "إن شركة "S.A.D.E" ليست "دولة داخل دولة، بل هي الدولة". 

تصریح "تینا مولان"، جاء في سياق الإحباط الذي أصابها وهي تراقب تواطؤ حكومة روما في أبريل 1960 مع هذه الشركة التي كلفت ببناء أضخم سد في العالم بجبل (TOC)، بمنطقة "لانغارون" الإيطالية. إذ أن جشع أرباب الشركة ورغبتهم في امتصاص أكبر قدر ممكن من الاعتمادات المالية من الحكومة الإيطالية، أدى بمدير الشركة إلى عدم اتخاذ الاحتياطات اللازمة لبناء السد وتدعيمه بالأسس الخرسانية والتحكم في حجم الحقينة، وهشاشة الدراسات الجيوفيزيائية التي لم تستحضر عدم وجاهة اختيار موقع السد بسبب خطورة الجراف التربة الذي قد يترتب عنه انهيار الجبل برمته بعد امتلاء حقينة السد. 

كل هذه التحذيرات التي واكبتها الصحفية المدعمة بصيحات السكان والجمعيات الموالية لليسار، لم تأخذها الحكومة بعين الاعتبار، واعتبرتها حملة للتشويش على وزير التجهيز الذي كان متواطئا مع مسؤولي شركة"S.A.D.E". ويوم 9 أكتوبر 1963 حدثث المأساة التي هزت إيطاليا، حيث انجرفت التربة ولم يصمد جبل TOC أمام انهيار السد.

فغمرت مدينة "لانغارون" 260 مليون متر مكعب من الأوحال والأتربة، أسفرت عن مقتل 2600 مواطن إيطالي، وهي الفضيحة التي شغلت الوسط القضائي بإيطاليا طوال الستينات من القرن الماضي.
 
وقائع هذا الفيلم تنطبق على المكتب الوطني للمطارات، الذي يحق وصفه بأنه "دولة" داخل "الدولة".
فمنذ تولي حبيبة لقلالش، مسؤولية إدارة المكتب الوطني للمطارات قبل ثلاث سنوات (قادمة من الخطوط الملكية)، ومكتب المطارات يمر بموجات توتر تهدد سمعة المغرب وسمعة مطاراته علما أن المطار، هو الباب الأول الذي یلج منه الأجنبي إلى المغرب. كما تناسلت الفضائح بهذا المطار وذاك (آخرها فاجعة مقتل عامل بمطار محمد الخامس صعقا بالكهرباء، وغرق مطار وجدة في أوحال الفيضان!)، هذا دون الحديث عن الاحتجاجات التي لم تهدأ في صفوف الشغيلة سواء التقنيون أو مراقبو الملاحة الجوية أو أطر أكاديمية محمد السادس للطيران.
 
والمتأمل للاحتقان الذي يسود في مطارات المملكة سيقف على مفارقة موجعة، حيث أن مستخدمي المطارات لم يحتجوا دائماً على الزيادة في الأجور أو تحسين وضعهم المادي (وهذا حقهم المشروع). بل في أحايين كثيرة للمطالبة بالحوار وإيقاف الاستفزازات، وهي مطالب لا تمثل أي ضغط على التحملات المالية العامة !
 
ولأن الفضائح تقع بالتوالي، هاهو موقع "مغرب أنتلجانس" يكشف يوم 21 شتنبر 2023، أنه فى أوج اشتغال المغاربة بتداعيات فاجعة زلزال الحوز، وما يتطلبه الوضع من تعبئة واستنفار لدى كل الأجهزة المعنية ولدى مسؤوليها، اختارت حبيبة لقلالش، المديرة العامة لمكتب المطارات، "الهروب" من المغرب للاستمتاع "بسياحة الشوبينغ" بالولايات المتحدة الأمريكية. والحال أن كل المسؤولين المغاربة على كافة المستويات، ألغوا برامجهم ولقاءاتهم (فأحرى عطلهم)، للتفرغ للأولوية القصوى الحالية بالمغرب: ألا وهي تطويق تداعيات زلزال الحوز، علما أن حبيبة لقلالش مسؤولة على أحد أهم المرافق العمومية الاستراتيجية بالبلاد (أي المطارات)، وتوجد مراكش والصويرة في قلب الهشاشة نتيجة تأثر  المدينتين بالزلزال والخوف من أن ينعكس ذلك على القطاع السياحي الذي يلعب دوراً حيوياً فى تنشيط الدورة الاقتصادية ليس بجهة مراكش فحسب، بل في المغرب ككل.
 
المفارقة تكبر حين نستحضر أن حبيبة لقلالش لما تم تعيينها مديرة عامة للمكتب الوطنى للمطارات، قدمت للرأي العام وكأنها "أول إنسان يخطو فوق سطح القمر" ، وتم النفخ في كونها ستزيل "الغم والهم " عن قطاع المطارات بعد تناسل الفضائح في هذا القطاع، فإذا بالمغاربة يصابون بخيبة الأمل.
 
حينما وصفنا المكتب الوطني للمطارات، بأنه "دولة داخل الدولة"، لم يكن ذلك من باب الاعتباط، لأن الحكومة (برئيسها وبوزير النقل ووزيرة المالية الأوصياء على المؤسسة)، عجزت عن التدخل، بل "قلبت" حبيبة لقلالش، الطاولة عليهم بدعوى أنها ليست معينة من طرف الحكومة، وبأنها فوق المساءلة والمحاسبة!
 
وصدق راهب بلدة "لانغرون" حين صاح في وجه سكان جبل Toc قائلا: "إن التمرد ضد شركة " SADE "، ليست  خطيئة Un Peche . لكن لو كتب لهذا الراهب الإيطالي أن يبعث من قبره ليكون شاهدا على ما يجري في المكتب الوطني للمطارات بالمغرب، لما تردد فى القول بأن "أكبر خطيئة" هي: تواطؤ حكومة أخنوش وتركها حبيبة لقلالش على رأس أهم مؤسسة استراتيجية بالمغرب !