عبدالحميد العدّاسي: القول الإلهيّ

عبدالحميد العدّاسي: القول الإلهيّ عبدالحميد العدّاسي
نحن نعيش وبقيّة المخلوقات أو الأشياء في عالم أحاط به ربٌّ قويّ جليل يذكّرنا في كلّ طرفة عين بحقيقة مفادها {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَےْءٍ إِذَا أَرَدْنَٰهُ أَن نَّقُولَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُۖ}.
قد علمنا تلك الحقيقة غير أنّا لا نعلم الشّيء الذي يريده الله تعالى ولا الوقت الذي يأتيه فيه أمره (كُن) ولا حتّى الحكمة من كينونته ووقوعه إلّا ما كان ممّا يحصل ويتراكم بالتّفكّر والفحص المجهري الدّقيق الذي تتولّاه القلوب السّليمة الخاضعة لربّها جلّ وعلا.
جاء الزّلزال في المغرب الشّقيق وكذلك الإعصار الذي تبع الزّلزال في ليبيا بأمره تعالى. جاءا بنفس القانون المعلن أو الوسيلة المستعملة (كُنْ)، لا دخل لطبيعة هي كلّها عند الله العظيم شيء خاضع لإرادته، ولا مشاحّة في الأسماء التي سُمّي بها الإعصار أو الزّلزال، لا فرق بين أن يسمّى "دانيال" أو يوسف أو "دافيد" أو يظلّ مطلقا بلا اسم يميّزه، ولن يغيّر ذلك من كونه مجرّد جنديّ من جنود الله تعالى ومصيبة تصيب الخلق للابتلاء والتّمحيص والتّذكير والتّنبيه والدّعوة إلى المراجعة والعودة والتّوبة والاستقامة وإحسان علاقة النّاس بعضهم ببعض، أو تصيبهم للعقوبة، ولن يفقد الحدث ميزته فإنّما يكون دائما لحكمة أرادها الله تعالى، قد نكتشفها كاملة الآن أو لاحقا أو قد نكتشف بعضا منها دون التّوصّل إلى فقه كلّها.
ومن ابتعد عن هراء أحد رؤساء العرب - الذي اجتهد طيلة فترة وجوده في الحكم في الإساءة لإخواننا في غزّة؛ إذ لم يستقبل أحدا من وفودهم التي جاءت تنشد الدّعم لدى تونس المسلمة في حين انصرف يوزّع جنسيّة البلاد على الأسقاط الفلسطينيّين المقيمين فيها ويحرّضهم على أحرار تونس الذين لم يرضوا له الانقلاب وخيانة الأمانة ونقض العهد والإفساد، والذي اهتدى بجهله إلى أنّ هذا الإعصار الذي أصاب درنة والمنطقة الشّرقيّة من ليبيا إعصار صهيونيّ الاسم قد غربت أفعاله في بلاد المسلمين -، ونظر في المآلات انتبه إلى الخير الرّاكز في أهل الصّحراء الغربيّة يسيّرون القوافل الطّويلة باتّجاه إخوانهم في أحراش الأطلس وانتبه كذلك إلى الهبّة الكريمة الطّيّبة التي قام بها الغرب الليبيّ لنجدة إخوانهم في شرقها، وقد رفعوا جميعا هنا وهناك الصّوت بالدّعوة إلى كسر الأغلال التي يريد وضعها المحتلّ القديم وأعوانُه الذين عوّضوه في بلاد المسلمين. فالأطلس والصّحراء المغربيان إخوة، ومصراتة وزوارة ونالوت وطرابلس ودرنة وبنغازي والويغ والسّارة إخوة متحابّون، لا يفتّن بينهم إلّا وصوليّ لئيم عدوّ للإسلام وللمسلمين، مكلّف بالاستثمار في دمائهم خدمة لأعدائهم.
إنّ ذلك التّنادي بالوحدة ولمّ الشّمل وإزالة العقبات المعيقة للاتّصال لهو من أهمّ الحِكم الظّاهرة من مصيبتي الزّلزال في المغرب والإعصار في ليبيا، وإنّهما إلى ذلك ترقية للنّاس سواء بالشّهادة والصّبر والاحتساب أو بالتّزكية والسّعي في خدمة النّاس. وأمّا الخير الأكبر فهو المتمثّل في التّذلّل لله الواحد وإفراده بالقوّة والقدرة، مقابل النّظر إلى غيره - ممّن ينشدون كسلفهم فرعون الألوهيّة - نظرة احتقار تليق بفسقهم؛ إذ حاربوا ربّهم، وتليق بخطئهم؛ إذ استعلَوا في الأرض عاملين على إذلالهم.
وإعصار لن نجد للردّ على المستثمرين فيهما - بالحديث التّافه عن الطّبيعة وعن غضبها وعن معاقبة عباد الله تعالى - أنسب ممّا ردّد أسيادنا الصّحابة على أُحُدٍ مقلِّ الرّسل والصّدّيقين والشّهداء: قتلانا في الجنّة وقتلاكم في النّار...