على هامش قيام أتباع خليفة داعش بتفجير أضرحة الأنبياء والأولياء، أنجزت يومية "اليوم السابع" المصرية ملفا حول محاولات سرقة جسد النبي أو نبش قبره، حيث ذكر المؤرخون عدد من هذه المحاولات على مدار التاريخ، إلا أن جميعها باءت بالفشل وقد ذكر تلك الحوادث كلا من محمد بن إلياس عبد الغنى في كتابه "تاريخ المسجد النبوي الشريف" كما ذكرها كتاب القبة الخضراء ومحاولة سرقة الجسد الشريف للكاتب محمد على قطب.وتذكر تلك الكتب والمراجع أن المحاولة الأولى لنبش قبر النبي كانت في عام 386 هجرية في بداية القرن الخامس وذلك بإشارة من الحاكم العبيدي الملقب "بالحاكم بأمر الله" وهو سادس الحكام العبيديين.وقد ذكر المؤرخون هذه المحاولة نقلاً عن تاريخ بغداد لابن النجار بسنده، أن بعض الزنادقة أشار على الحاكم العبيدي بنقل النبي وصاحبيه من المدينة إلى مصر، وزين لهم الشيطان ذلك، واجتهد الحاكم في مدة قصيرة وبني بمصر حائزًا أي مكان يستقبلون فيه الجسد الشريف، وأنفق عليه مالا كثيرا، وبعث أبو الفتوح لنبش الموضع الشريف، فلما وصل إلى المدينة المنورة وجلس بها حضر جماعة المدنيين، وقد علموا ما جاء فيه، وحضر منهم قارئ يعرف بالزلباني فقرأ فى المجلس (وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم) إلى قوله تعالى (إن كنتم مؤمنين) فماج الناس، وكادوا أن يقتلوا أبا الفتوح ومن معه من الجند، وما منعهم إلا أن البلاد كانت لهم، ولما رأى أبو الفتوح ذلك قال لهم الله أحق أن يخشى، والله لو كان على من الحاكم فوات الروح ما تعرضت للموضع.وتفيد المصادر التاريخية بأن المحاولة الثانية كانت أيضاً على يد الحاكم بأمر الله العبيدي، إذ حاول مرة أخرى نبش قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، لكنها باءت بالفشل أيضا وحفظ الله نبيه، وقد ذكر المؤرخون تفصيل هذه المحاولة نقلا عن كتاب "تأسى أهل الإيمان فيما جرى على أهل القيروان"، لابن سعد القيروانى. والحادثة الثالثة ذكرها جمال الدين عبد الرحيم بن الحسن بن علي الأسنوي في رسالة له اسمها "نصيحة أولى الألباب في منع استخدام النصارى"، ونقلها عنه السمهودي في كتابه "وفاء الوفا بأخبار دا المصطفى"، ويذكر أن الحادثة وقعت سنة 557هـ، فى عهد السلطان الملك العادل نور الدين زنكي، على يد اثنين من النصارى، وذكر المؤرخون أن السلطان نور الدين رأى في نومه النبي وهو يشير إلى رجلين أشقرين ويقول "أنجدني، أنقذني من هذين.. فاستيقظ فزعاً، ثم توضأ وصلى ونام، فرأى المنام بعينه، فاستيقظ وصلى ونام، فرآه أيضا مرة ثالثة؛ فاستيقظ.وكان للسلطان وزير من الصالحين يقال له جمال الدين الموصلي، فخرج معه متوجهًا إلى المدينة، فقدم المدينة فى ستة عشر يومًا، فاغتسل خارجها ودخل فصلى في الروضة وزار، ثم جلس لا يدرى ماذا يصنع؟ فقال الوزير لأهل المدينة، إن السلطان قصد زيارة النبي، وأحضر معه أموالا للصدقة، فاكتبوا من عندكم فكتبوا أهل المدينة كلهم، وأمر السلطان بحضورهم وكل من حضر يأخذ يتأمله ليجد فيه الصفة التي أراها له النبي فلا يجد تلك الصفة، فيعطيه ويأمره بالانصراف إلى أن انفضت الناس فقال السلطان "هل بقى أحد لم يأخذ الصدقة"؟ فقالوا لا فقال: تفكروا فقالوا: لم يبق أحد إلا رجلان مغربيان لا يتناولان من أحد شيئا، وهما صالحان غنيان يكثران الصدقة على المحتاجين فانشرح صدره.. وقال: علي بهما فأتى بهما فرآهما الرجلين اللذين أشار النبي إليهما بقوله أنقذني أنجدني من هذين، فقال لهما: من أين أنتما؟ فقالا: من بلاد المغرب جئنا حاجين فاخترنا المجاورة عند رسول الله، فذهب معهما إلى منزلهما، وأخذ يطوف فى البيت بنفسه، حتى رفع حصيرًا في البيت فرأى سردابا محفورًا ينتهي إلي صوب الحجرة الشريفة، فارتاعت الناس لذلك، وقال السلطان عند ذلك: أصدقاني حالكما وضربهما ضربًا شديدًا، فاعترفا بأنهما نصرانيان بعثهما النصارى في زى المغاربة، لنبش قبر النبي، فأمر السلطان بقتلهما.ويذكر المؤرخ على السمهودي، فى كتابه وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى، الجزء الثاني، أن هذه المحاولة الخطيرة لنبش قبر النبي، هي التي دفعت بالسلطان نور الدين زنكي إلى حفر خندق عظيم حول الحجرة النبوية من جهاتها الأربع، وملء ذلك الخندق بالرصاص المذاب، فصار بمثابة سور يقي الحجرة النبوية من أي محاولة اعتداء، في المستقبل، وظل السور معروفًا بسقيفة الرصاص إلى أن تهدم أثناء حريق سوق القماشة فى يوم الاثنين الموافق 18 من رجب سنة 1397 هـ.ولعل أشهر محاولة لنبش قبر النبي، وسرقة جثمانه، يؤكدها الدكتور حجاج إبراهيم، رئيس قسم الآثار والسياحة بجامعة طنطا، فيقول أن أشهر واقعة حدثت في هذا الشأن كان زمن صلاح الدين الأيوبي، أيام الحروب الصليبية، حين اتفق القائد الصليبي أرناط مع بعض من عربان سيناء على أن يدخل من ناحية عيذاب حتى يصل للمدينة المنورة، لسرقة جثمان النبي.وتابع "حجاج"، كان صلاح الدين الأيوبي حينذاك في مكة، وعندما علم بالخبر، توجه إلى أرناط وشقه بالسيف نصفين، وقتل اثنين من جنود الفرنجة، قبل أن يصلوا لقبر النبي، وتفاصيل تلك الواقعة يحدثنا عنها الرحالة ابن جبير أبو الحسين محمد بن أحمد، يذكرها في "رحلته" فى أحداث سنة "578هـ".ويؤكد فيها أن الروم حاولوا نبش قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: لما حللنا الإسكندرية في شهر ذي القعدة، عاينَّا مجتمعًا من الناس عظيما بروز المعاينة أسرى من الروم أدخلوا البلد راكبين على الجمال، ووجوههم إلى أذنابها وحولهم الطبول والأبواق، فسألنا عن قصتهم، فأخبرنا بأمر تتفطر له الأكباد إشفاقًا وجزعًا، وذلك أن جملة من نصارى الشام اجتمعوا وأنشأوا مراكب في أقرب المواضع التي لهم من البحر الأحمر.ثم حملوا أنقاضها على جمال العرب المجاورين لهم بِكِراء ? أي بأجرة - اتفقوا معهم عليه، فلما حصلوا بساحل البحر سمروا مراكبهم، وأكملوا إنشاءها وتأليفها، ودفعوها فى البحر، وركبوها قاطعين بالحجاج، وانتهوا إلى بحر النعم، فأحرقوا فيه نحو ستة عشر مركبًا، وانتهوا إلى ميناء "عيذاب" بالقوص بصعيد مصر فأخذوا فيها مركبًا كان يأتي بالحجاج من جدة، وأخذوا أيضا في البر قافلة كبيرة تأتى من قوص، وقتلوا الجميع.وأخذوا مركبين كانا مقبلين بتجار من اليمن، وأحرقوا أطعمة كثيرة على ذلك الساحل كانت معدة لمكة والمدينة، وأحدثوا حوادث شنيعة لم يسمع مثلها فى الإسلام، ومن أعظمها حادثة تسد المسامع شناعة وبشاعة، وذلك أنهم كانوا عازمين على دخول مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، وإخراجه من الضريح المقدس.وأشاعوا ذلك وأجروا ذكره على ألسنتهم، فأخذهم الله باجترائهم عليه، وتعاطيهم ما تَحُولُ عنايةُ القدرِ بينهم وبينه، ولم يكن بينهم وبين المدينة أكثر من مسيرة يوم، فدفع الله عاديتهم بمراكب مرت من مصر والإسكندرية، دخل فيها الحاجب المعروف بلؤلؤ مع أجناد المغربة البحريين، فلحقوا العدو وهو قد قارب النجاة بنفسه فأخذوا عن آخرهم، وكانت آية من آيات العنايات الجبارية.أما المحاولة الخامسة فقد ذكرها المحب الطبري فى "الرياض النضرة في فضائل العشرة" أن شمسُ الدين صواب اللمطي كبير خدام قبر الرسول قال: كان لي صاحبٌ يجلس عند الأمير ويخبرني بما يحدث في مجلسه، فبينما أنا ذات يوم إذ جاءني فقال: أمر عظيم حدث اليوم، قلت: وما هو؟ قال: جاء قوم من أهل حلب وأغدقوا على الأمير في العطاء وسألوه أن يمكنهم من فتح الحجرة وإخراج أبى بكر وعمر رضي الله عنهما منها فأجابهم.ويقول كبير الخدام أن هذا الأمر جعله مهموما محزونا، وسرعان ما جاءني رسول الأمير يدعوني إليه فأجبته فقال لي: يا صواب: يدق عليك الليلة أقوام المسجد فافتح لهم ومكنهم مما أرادوا ولا تعارضهم ولا تعترض عليهم فقلت له: سمعا وطاعة.ويستطرد "صواب" كبير خدام القبر الشريف قائلا: وخرجت ولم أزل يومي أجمع خلف الحجرة أبكى حتى إذا كان الليل وصلينا العشاء وخرج الناس من المسجد وأغلقنا الأبواب فدق الباب الذي بجانب باب السلام ففتحت الباب فدخل أربعون رجلا أعدُّهم واحداً بعد واحد ومعهم آلات الهدم والحفر وقصدوا الحجرة الشريفة، فو الله ما وصلوا المنبر حتى ابتلعتهم الأرض جميعهم بجميع ما كان معهم من الآلات ولم يبق لهم أثر، ويشير الكاتب محمد بن إلياس عبد الغنى في كتابه "تاريخ المسجد النبوي الشريف" أن هذه المحاولة كانت في منتصف القرن السابع الهجري أثناء انشغال العباسيين بأمر التتار .