هي مشاهد من بين ما رصدته عين المبدع خلال زلزال الحوز حيث حولها الكاتب والقاص حسن برما بقلم السيّال إلى سرديات تنتصر لقيم تامغربيت والإنسانية المتأصلة في الشعب المغربي...
ـ بوابة النواح
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بوابة البكاء.. سر لا يعلمه الفضوليون وراء هذه التسمية النبوءة، قرية بسيطة معلقة فوق قمة الجبل الشامخ، بعد الزلزال العنيف، استوت بناياتها مع الأرض، دفنت موتاها، جانب السور الآيل للسقوط، تمشي عجوز طيبة من بين الناجين، سألها صحفي: " أنتم معزولون عن العالم، ما الذي يبقيكم في هذا المكان؟ لماذا لا ترحلوا للمدينة؟"، ببساطة أجابته: "هذه ارضنا، والعيش فوقها وصية الأجداد!"
ـ ميمي طقطق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جمالها البادخ في حركاتها الطفولية وقهقهاتها التي لا تنقطع، قوتها في ضعفها، ذكاؤها في هشاشتها، دمعتها جاهزة للنزول، قبل الفاجعة، رأتها عيني المعطوبة مجرد حمقاء تفرغ مآسيها بتلقائية، وبعد المأساة، في أعلى درجات الوجع والألم، انتزعت مني اعترافا دون مقابل، تحركت وسط المنكوبين كملاك لا يبالي ببروتوكولات اللحظة، ظلت وفية لانتكاساتها ولم تستسلم للأسى، عانقت الأرامل والأيتام، شاركتهم الدمع والأسى، صارت قريبة محبوبة للأهالي والأطفال وأبرياء الحلم البسيط، وبجمل منقوصة وقهقهات متلاحقة وشتائم بريئة، وزعت الابتسامة بين أقارب الضحايا والمنكوبين مكتفية بلازمتها المشهورة: "طقطق وذاك الشي بالرجولة خليوني ندوي بغيت لكم الغراق أنا بومبا يعطيك مصيبة والبعلوك يقول لي راك نسيت تقولي عاش الملك."
ـ رائحة الأحبة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لم يمنعها الألم من الحفر بأصابعها المتشققة ، رأت الدم ينزف تحت الأظافر، تابعت النبش وإزالة ما تبقى من الحطام، لا خوف من السقوط فوق الركام، والارتدادات الرعناء ما عادت لها القوة كي تخيف نفسها المتعبة، قادها حدسها للمكان المفترض، هنا كانت خزينتها السرية، قنينة كحل صغيرة ومرود وبضع صور لأحباب رحلوا، وسؤال الامتداد الحزين: "عماذا تبحثين يا أمي والكل صار حطاما؟!" وفيما يشبه الأنين، أجابت صدى السؤال: " هنا يا ابني كنت أخزن هدايا أبنائي وصور أحفادي الأعزاء، فدعني أحفر عساني أعثر على بقايا منهم أشم فيها رائحة الأحبة! "
ـ بُّا الحْنِين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وفي حوز الروح المجروح .. دفع با الحنين دراجته الهوائية، وصل مكان تجميع التبرعات، دون مقدمات ولا كلام، اتجه نحوه شاب متطوع، حمل كيس الدقيق، وضعه حيث أكوام المساهمات، وبصمت قديس عابر في الحكاية، انصرف بهدوء دون أن يلتفت للوراء، ولم يدر أن الفيديو الموثق لفعلته النبيلة قد ظهر في معظم قنوات العالم وأبكى ذوي النفوس الطيبة.