مر عامان على فوز عزيز أخنوش، زعيم حزب التجمع الوطني للأحرار برئاسة الحكومة (انتخابات 8 شتنبر 2021). وهما العامان الذي ظل فيهما الرئيس يبحث عن «إعفاء خاص» مما اعترى أحوال الناس من شظف العيش وعسر التأقلم مع الصعوبات الاقتصادية، والحال أنه وعد المغاربة، سواء أثناء الحملة الانتخابية أو في التصريح الحكومي، بإخراجهم من «سياسات التماسيح والعفاريت» التي كان يختفي وراءها الأصوليون لولايتين متتاليتين.
لقد كان الرهان الأول لزعيم التحالف الثلاثي «التجمع، البام، الاستقلال» اقتصاديا، وذلك في ظل تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية والأزمة الصحية وارتفاع الأسعار وموجة الجفاف، غير أن هذا الرهان انكسر سريعا أمام ضعف المردودية الحكومية في عدة قطاعات حيوية، الأمر الذي أدى إلى انتكاسة واضحة وغير مسبوقة لكل الوعود السابقة التي أطلقها أخنوش، وإلى اختلال جوهر التعاقد السياسي بينه وبين الناخبين الذين تُركوا عُزًّلا أمام أزمة ارتفاع الأسعار «المحروقات والمواد الاستهلاكية الأساسية»، بدعوى الانكماش الاقتصادي الدولي وآثار الحرب والوباء وآثار التحولات البيئية.
لقد تضمن البرنامج الانتخابي لحزب التجمع وعودا كثيرة، لعل أبرزها خلق مليون منصب شغل مباشر، فضلا عن مضاعفة الميزانية المخصصة لقطاع الصحة، وإحداث نظام التكفل المباشر من أجل تقليص نفقات العلاج التي يتحملها المرضى، إضافة إلى إحداث نظام طب الأسرة وتفعيل الفحوصات المجانية والإجبارية لتتبع الحمل والمواليد الجدد، ناهيك عن إحداث صندوق لتمويل الأمراض المزمنة.
وفي قطاع التربية والتكوين، راهن على تحسين أجور الأساتذة وإحداث كلية للتربية مخصصة لمهن التدريس. أما الحليف الحكومي الأول (حزب "البام")، فراهن على إحداث منحة تدريب شهرية قيمتها 1500 درهم تعطى لمدة ستة أشهر لكل الشباب الحاصلين على شواهد جامعية وخريجي مراكز التكوين التقني، وتحويل منحة التدريب إلى منحة عمل لستة أشهر إضافية بالنسبة لكل الشباب الموظفين بعد التدريس. فضلا عن وضع مخطط توجيهي للوظائف والكفاءات في قطاع التربية الوطنية، إضافة إلى إحداث نموذج جديد للشراكة بين القطاعين العام والخاص في مجال الصحة، يكون مبنياً على التكامل في مجال التدخل والمهام من أجل تحسين جودة الخدمة المقدمة لسائر المواطنين. بينما التزم الحليف الثاني «حزب الاستقلال» بتفعيل الحماية الاجتماعية الشاملة، مع مجانية العلاج للنساء أثناء فترة الحمل وللأطفال والمسنين وذوي الإعاقة، والتغطية الشاملة لكل الأمراض المزمنة، وإخراج مليون أسرة من الفقر والهشاشة على أساس مواكبة 200 ألف أسرة سنوياً. كما تعهد بحماية وتوسيع الطبقة الوسطى، مع رفع قدرتها الشرائية بأكثر من 20%، وتعميم التعليم الأولي على 100% من الأطفال ابتداء من سن الرابعة، مع إرساء حكامة دائمة وفعالة لمراقبة الجودة، وتعبئة المنظومة التربوية بكل مكوناتها بهدف تصنيف المغرب ضمن أحسن 60 دولة عالميا.
لكن هل استطاعت حكومة أخنوش أن تنتقل بوعود أحزابها إلى مرحلة التنزيل والتفعيل؟ لقد اكتفت الحكومة، حتى الآن، بإطلاق الحبل على الغارب، خاصة مع وزراء يفتقدون إلى إبداع الحلول أمام أزمة تتميز بتعقيدات مختلفة، كما يفتقدون إلى الحِس السياسي اللازم من أجل التجاوز السليم لأعطاب المرحلة، الأمر الذي فتح المجال واسعا أمام القرار السياسي المركزي من أجل الإمساك بزمام المبادرة على عدة مستويات حيوية، وخاصة في مجال الاستثمار والحماية الاجتماعية، فضلا عن السياسة المائية.
لقد نبه المجلس الاقتصادي والاجتماعي، ومعه المندوبية السامية للتخطيط وبنك المغرب، إلى خطورة السياسات الحكومية على الاستقرار الاجتماعي. كما حذر من حساسية الإجراءات الحكومية التي تفتقد إلى الواقعية، وتراهن على تحقيق الاستقرار الاقتصادي على حساب التماسك الاجتماعي وإنتاج التضخم وضرب القدرة الشرائية، والحال أن هذه الحكومة لا تنصت إلا لنفسها، ولا ترتاح إلا لتغولها أمام معارضة مهزوزة ومنهزمة وغير منسجمة وتفتقد إلى الثقة، الأمر الذي يرهن المغاربة بمزيد من الإجراءات غير الشعبية على مستوى حماية القدرة الشرائية، ودعم المقاولة الوطنية، ومباشرة الإصلاحات الهيكلية كالتقاعد، والنظام الجبائي، وحكامة الفضاء الاقتصادي.
لقد أثبت عمر حكومة أخنوش (730 يوما) أن رئيسها، الذي وعدنا بـ «الدولة الاجتماعية»، وأنه سيأتي "بما لم تستطعه الأوائل، وأنه سيحول المغرب إلى "إلدورادو"، يعاني من الجبن السياسي المركب، كما انه يخفي عجز فريقه الحكومي وراء منطق تبريري متهافت لا ينطلي على أحد، مما يرشح الفضاء العمومي إلى مزيد من الغليان، خاصة أن كل الالتزامات التي تعهد بتنزيلها على أرض الواقع كان مصيرها هو التبخر، إذ أين هي مناصب الشغل التي وعد بها؟ وأين هي الزيادة في الأجور؟ وأين هي المستشفيات والمراكز الصحية التي ستغطي التراب الوطني؟ وأين هي الحكامة الإدارية؟ وأين هو تنشيط الدورة الاقتصادية؟ وأين هو تحسين القدرة الشرائية؟ وأين هي المشاريع الإصلاحية الشاملة؟ وأين هي المدرسة المواطنة؟ وأين هو التعليم العمومي التنافسي؟ وأين هو التكوين المتطور؟ وأين تكافؤ الفرص؟ وأين هو قانون الإثراء غير المشروع؟
إن هذه الأسئلة توضح بما لا يدع أي مجال للشك أن عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، لا يملك أي تصور ينبغي أن يتوفر لدى رجل دول يتبوأ منصب رئيس حكومة، كما لا يتوفر على أي قراءة سياسية أو استراتيجية للمرحلة الصعبة التي يجتازها المغرب، خاصة أن العنوان الأكبر للمغرب، هنا والآن، هو الأزمة. وهو الأمر الذي يفرض حاجة ملحة إلى «مرشد» للخروج من الصعوبة. وبكل تأكيد ليس رئيس الحكومة الحالي هو هذا المرشد الذي يملك أجوبة اقتصادية واجتماعية، بل هو فقط نسخة كاربونية لمن سبقه من رؤساء الحكومات، رياضته المفضلة هي أن يواصل التكليل بالمغاربة.
تفاصيل أوفر تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية " الوطن الآن"