الشرقاوي الروداني: الانقلاب في الغابون لن يغير من الموقف مع مغربية الصحراء

الشرقاوي الروداني: الانقلاب في الغابون لن يغير من الموقف مع مغربية الصحراء الشرقاوي الروداني
الانقلاب بالغابون جاء في سياقات متعددة مرتبطة بالمشهد السياسي الداخلي،  وكذلك أجواء المحيط الإقليمي لدول الساحل الأفريقي وجنوب الصحراء. 
على المستوى الأول، هي مجموعة من التطورات التي عرفتها دولة الغابون و التي كانت توحي بوجود توتر كبير على مستوى تدبير العملية الديمقراطية داخل هذا البلد الذي يعتبر من أغنى الدول الأفريقية من خلال موارد البترول   والمعادن كالمنغنيز. 
في سنة 2009 و بعد وفاة رئيس الجمهورية الأب، تولى علي بونغو الحكم من خلال انتخابات فاز بها بنسبة 42%. بعد ولاية امتدت للسبعة سنوات و خلال تنافس انتخابي مع أحد أبرز معارضي النظام انذاك جانغ بينغ، فاز علي بونغو بولاية ثانية بفارق جد ضئيل. هذه الانتخابات عرفت تراشقا بين المرشحين  واتهامات بالفساد و التزوير أدت إلى اندلاع أعمال شغب وصلت إلى إحراق مبنى البرلمان. بعد ذلك عرفت الغابون تطورات من خلال تواصل المعارضة لاتهاماتها بالفساد للنظام و للعائلة بونغو. 
إن التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعرفها القارة الافريقية و التغييرات في النظام الدولي أصبحت اليوم تحتاج إلى قيادة برغماتية و ليس إلى قيادة إدارية. 
القيادة الاستراتيجية داخل مجموعة من دول القارة لم تستطع قراءة تطلعات وعلاقة الأفراد و الأحداث الحتمية التي حركتها توازنات فرضتها الخصوصيات الجيوستراتيجية لهذه البلدان. وبالتالي فإن التطورات التي تعرفها الغابون و النتائج الغير الدستورية التي أدت إلى تغيير السلطة ليست إلا نتاج تغيير شامل في مفهوم علاقة النخبة بالساسة. زيادة على ذلك الحالة الصحية للرئيس علي بونغو و الذي تعرض إلى إصابة بليغة أبعدته عن الحكم مدة عشرة أشهر هي معطى خلق نوعا من الارتياب. في نفس الوقت، اعتمد البرلمان الغابوني مؤخراً مجموعة من التعديلات الدستورية، وهي للإشارة كانت الثانية خلال 3 سنوات من بينها تقليص فترة العهدة الرئاسية البرلمانية، مجلس الشيوخ و المنتخبين المحليين من سبعة سنوات إلى خمسة سنوات. في نفس التعديل، تم المرور و اعتماد التصويت من جولة واحدة بعد أن كان في جولتين في التعديل الدستوري السابق. هذا المعطى، لم ينظر إليه بعين الرضى من طرف المعارضة التي رأت فيه تضييقا على حظوظها أمام الحزب الديمقراطي الغابوني الحاكم. 
فالعالم أصبح قرية صغيرة و المعلومة أصبحت متاحة أمام تطور وسائل الاتصال الحديثة و التواصل الاجتماعي. فما وقع في مالي، بوركينا فاسو ، غينيا كوناكري و النيجر هو زلزال ستصل صداه دول عديدة في مجموعة من المناطق.  ومن تم فإن الغابون تأثرت بما يقع في بلدان غرب إفريقيا.
فيما يخص مفاجأة فرنسا بالانقلاب بالرغم من علاقاتها السياسية، العسكرية و الاقتصادية بالغابون، فهو يفرض قراءة شاملة على تراجع الدور الفرنسي في الدول الأفريقية الناطقة بالفرنسية، كذلك عدم مسايرة الاستخبارات الفرنسية و الغربية بشكل عام النسق المتسارع الذي تشهده دول المنطقة. 
في نفس الوقت، عدم قدرة الاستخبارات الفرنسية للوصول الى المعلومة دليل على وجود أزمة داخل هذه المؤسسات الأمنية. حتى وان شكل التغيير الدستوري في الغابون ليس هو الذي وقع في النيجر، مالي و بوركينافاسو، فإن هذه الأزمات تظهر عدم قدرة الاستخبارات في التفاعل مع ماهو دبلوماسي وسياسي.
إن التراجع الفرنسي في منطقة غرب أفريقيا  ومناطق أخرى في القارة هو أمر واقع يعكسه كذلك عدم وجود استراتيجية تُوازِنٌ ما بين ما هو قيم تترسخ من جديد و بجديد ينهل من تطور المجتمعات الافريقية، و تطلع ترسمه نخبة مثقفة واعية بالتحديات الجديدة تريد الانخراط في العولمة و الحضارة الحديثة.
أما يرتبط بعلاقة المغرب و الغابون، لابد من الإشارة إلى أن المملكة المغربية  والغابون يربطهما تعايش أعمق. فالمسارات و التوافقات بين الدول ترسمهما المصالح المشتركة و الأهداف الاستراتيجية للبلدان. المغرب و الغابون لهما علاقات استراتيجية في مستويات متعددة. على المستوى الدبلوماسي،  هناك توافق حول مجموعة من الملفات على المستوى الدولي و القاري كما أن المغرب و بحكم الاعتبار الكبير لدولة الغابون ما فتئ يقوم بمبادرات تهم الشعب الغابوني و لعل الهبة الملكية من الأسمدة للفلاحين الصغار في دول الغابون لخير دليل على هذه العلاقة الوثيقة التي تجمع الشعب المغربي بالشعب الغابوني، و كذلك على الاهتمام الذي يوليه الملك محمد السادس للتعاون الأفريقي-الأفريقي.
في نفس السياق، يقدم المغرب تجربته في الفلاحة و مجالات متعددة للمؤسسات الغابونية ذات الصلة. فعلى مستوى التدريب العسكري، هناك مجموعة من الضباط الغابونيين في مختلف الرتب يتم تدريبهم في مؤسسات التكوين العسكري بالمغرب. فالجنرال البير أوليغي نغيما تكون في المدرسة العسكرية الضباط بمكناس إلى جانب ضباط آخرين يشغلون مناصب مهمة في مؤسسات أمنية أخرى. ومن الناحية الاقتصادية، ترتبط الدولتان باتفاقيات تم توقيعها خلال الزيارات الملكية إلى الغابون في مارس 2014 ويونيو 2015 و التي كانت مهمة للبلدين في رسم خريطة طريق لها وقع على الأمن الغدائي و الاستقرار في الغابون. لكن مع ذلك يجب الإقرار بأن التعاملات التجارية بين المغرب والغابون لا تزال محدودة نسبيا و لا ترقى إلى مستوى التطلعات. ففي سنة 2019، بلغت صادرات المغرب إلى الغابون ما يقارب 77 مليون دولار، فيما بلغت واردات المغرب من الغابون حوالي 9 ملايين دولار.  أما فيما يخص موقف الغابون من مغربية الصحراء، فهذا موقف ثابت و لن يتغير أولا لأنه نابع من فلسفة و نسق سياسي يشرب من برغماتيةٍ دبلوماسية و سياسية، و ثانيا لأن هذا الموقف مرتبط ارتباطا وثيقا برؤية الغابون للتطور والعمل الأفريقي - الأفريقي. دون أن ننسى بأن الاعتراف الأمريكي ودول كبرى أخرى بمغربية الصحراء إلى جانب دولة الغابون شكلَ نقطة تحول استراتيجي مهّدَ لجهود هذه الدول لاستعادة أفريقيا لسيادتها.
 
الشرقاوي الروداني، أستاذ جامعي وخبير في الدراسات الاستراتيجية  والأمنية