"التشيار" في السياسة خبطة عشواء ومحاولة فاقدة للبوصلة وبدون تركيز، هي تلويح بتصريحات كما اتفق بدون منهجية مضبوطة ولامنطق، قد تمليها ظروف معينة لذر الرماد في العيون، وقد تكون وليدة شعور بالحماسة الزائدة. هناك من تأخذه نشوة التصاريح أمام ميكروفونات بعينها فيطلق العنان لوعوده دون فرامل ناسيا أو متناسيا أن الكلمة في الأول والأخير التزام محكها الحقيقي الميدان.
"التشيار".. نوع من الفنتازيا مشروطة باللامنطق، سابحة في بحر الخيال. محفوفة بالمخاطر لكونها تقفز وسط حقول الألغام من الأسئلة الحارقة فتكتشف في الأخير كمن يقفز أمام الملأ بدون ملابس ولا غطاء. هكذا يبدو مكشوفا على الآخر حد الاعتقاد أن بمقدوره نطح السحاب في لحظة انتصار عابرة أو لنقل بصريح العبارة مغشوشة ومخدومة، مكنت لجهة في إطار "أمولا نوبة.." كمسكنات، واللعب على الوتر الحساس وهم ينتحلون صفة المسؤولية فتخونهم القدرة والكفاءة أو "الحرفة" ، كما يقول أهل السياسة. يغيب حضورهم لحظة الحاجة. وتجدهم في مواقع البهرجة و"التبندير الخاوي"منضبطين في المقدمة فرحين لأنهم لايجيدون سوى هذا الدور .
سياق هذا المقال ماجاء على لسان النائب الأول لعمدة مراكش في معرض حديثه في تصريح صحفي عن الاستعدادات الجارية على قدم وساق بمدينة مراكش من أجل استقبال أشغال مؤتمرات عالمية تقتضي أن تصبح مراكش في مستوى اللحظة وقيمة الحدث. المثير للانتباه أن يصرح المسؤول بالمجلس والمكلف بالإشراف على هذا الورش الكبير بكلام يبدو أن الواقع يعاكسه ويفنده. لأول مرة أسمع "بطروطوار" بمعايير دولية وهي كلمة تلقى في الهواء لاقيمة لها مادمنا نعيش تدبيرا متخلفا لايرقى لمستوى المدينة ولا الأحداث التي ستعرفها. وهنا تبرز ثلاث ملاحظات ضرورية.
الملاحظة الأولى:
ألقى النائب الأول لعمدة مراكش كلمة وكأنها فتح جديد. والحال أن كل المؤشرات تقول أن المشروع برمته سيكرس الوضع القائم ولم يستفد المسؤولون أولا من هذه الإمكانات من أجل خلق إضافة نوعية للمدينة. وثانيا هدر الطاقة والجهد .
الملاحظة الثانية:
المشروع لا يحمل ورقة تعريفية تحدد فيها المعطيات التالية من خلال التعريف بصاحب المشروع ومدة انجازه والمناطق التي سينكب عليها الانجاز .
الملاحظة الثالثة:
أن تقنية تدبير المشاريع تقتضي نوع من الاحترافية في تذليل الصعاب أمام الساكنة، لا جعلها تعيش جحيم التنقل خصوصا في المناطق التي تعرفها هذه الأوراش. دون التكلم عن الطريقة البدائية التي يتم بها تنظيم السير والجولان. مع الإشارة إلى كون هذه الأوراش لم تضف جديدا بخصوص توسيع بعض الممرات التي تعرف اكتضاضا ولم تسع لحذف الممر المتواجد بالوسط أو بالجانب والذي ظل فارغا وممنوعا على المركبات، ماعدا الخاصة، والذي خنق بعض الشوارع الرئيسية .
الأمر سهل أن تصرح بكلام لكن الصعب أن يكتسي مصداقية لدى المتتبعين فما يعاينه الناس لاعلاقة له بما يتم الترويج إليه. قدر مراكش أن يتناوب على تسييرها مجموعة من الفشلة الذين أضاعوا عليها فرصا للإصلاح والتأهيل .سيسجل التاريخ من وقف ضد مصلحة هذه المدينة العريقة، وفوت عليها فرص النهضة الحقيقية لتحمل إسم العالمية التي يلوح بها بعض المنتشين الذين لايجيدون سوى سياسة " التشيار الخاوي " دون أن يحدث أثرا في الواقع.