مستحسان.. رحلة متعددة في عالم الفن والإبداع

مستحسان.. رحلة متعددة في عالم الفن والإبداع الفنان التشكيلي مصطفى مستحسان
 يعد مصطفى مستحسان، الفنان التشكيلي والحروفي ومصمم الجرافيك، واحدا من أبرز الشخصيات الفنية في المغرب. ولد في عام 1967 بمدينة الدار البيضاء. يتميز بموهبة فنية متعددة المجالات والاهتمامات، لم يكن مقتصرا على مجرد اتجاهه نحو الفن التشكيلي، بل امتد إلى عالم الحروفية العربية، فضلًا عن اهتمامه بفنون الديكور الداخلي، والبحث في التراث المغربي والعربي والآثار الإسلامية، لذا نرى أعماله تجمع بين الإبداع الجمالي والعمق الثقافي. 
من عالم التسيير إلى الإبداع الفني
بالرغم من حصوله سنة 1993 على شهادة تقني متخصص في التسيير الإداري شعبة المحاسبة واشتغاله في مجموعة من الشركات إلى غاية سنة 1999، إلا أنه لم يكن يجد في هذا العالم تعبيرا لروحه الفنية، بل ألفى فنون الرسم والخط العربي تملأ وقته وروحه ووجدانه، كما وجد نفسه، التي بدأت تعاني حينها من ضغوط وقيود الوظيفة، تتوق إلى التحرر والبحث عن انطلاقة أخرى في عالم جديد وعمل مختلف يستطيع ممارسته والإبداع فيه بكل حرية وإخلاص، ويكون قريبا إلى ميولاته ورغباته، فكان بذلك المسار الحقيقي والاعتناق الفعلي والعملي للفن التشكيلي والخط العربي وفن الديكور الداخلي وما شابه من فنون تطبيقية أخرى. 
أعمال تلفزيونية 
في سنة 1999 كانت أول تجربة مهنية للفنان مستحسان في عالم الديكور التلفزيوني وتنفيذه بإنجاز ديكور برنامج تلفزي للقناة الأولى تحت عنوان “CLIP TOP” باستديوهات إذاعة عين الشق بالدار البيضاء، تلته مجموعة من الأعمال منها:
-  تنسيق ديكور الفيلم التلفزيوني "ثمن الرحيل" للقناة الثانية سنة 2003.
- تصميم ديكور السلسلة الفكاهية "لخبار فراسك" للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة سنة 2007.
- الإدارة الفنية للفيلم التلفزيوني "أحلام مؤجلة" للقناة الثانية سنة 2013.
- المشاركة في الإدارة الفنية لبرنامج الكاميرا الخفية "مشيتي فيها" للقناة الثانية لثلاث سنوات من 2014.
- هندسة ديكور برنامج "تينوبكا" «TINOBGA» للقناة الأمازيغية المغربية (2015-2016)، 
-  المشاركة في إعداد البرنامج الوثائقي “حضارة بين ثنايا الحروف” لقناة الجزيرة الوثائقية سنة 2015.
-  تصميم ديكور "أسرار الصيام" لقناة إقرأ، سنة 2017، 
- تصميم ديكور برنامج "رحلة الشوق والحنين" لقناة إقرأ، سنة 2018
وغير ذلك من الأعمال في فن السينوغرافية على خشبة المسرح. 
معارض الخط العربي من الفن إلى التقويم
 كان الإعداد لأول معرض فني لمصطفى مستحسان في فن الخط العربي والحروفية والزخرفة سنة 2001 بإحدى المؤسسات التعليمية الخاصة بالدار البيضاء، تم من خلاله عرض لوحات فنية وتأطير ورشات للتلاميذ وأخرى لأطر المؤسسة، اتضح من خلالها الحاجة الملحة لتعلم خط الكتابة ومعالجة المشاكل التي يعاني منها المعلم وحتى المتعلم نتيجة رداءة وضعف الخط والكتابة. تبنى مستحسان نتيجة ذلك فكرة البحث عن أسباب هذا التدهور والضعف وتتبع الحالات التي تعاني من ذلك وإيجاد حلول عملية وطرق سهلة مساعدة على علاج هذا الاضطراب. فكان لا بد من الدخول إلى القسم وبدأ العمل سنة 2006 داخل مؤسسات تعليمية بمدينة الجديدة. وبعد ثلاث سنوات من البحث والعمل في هذا الباب، عرضت عليه دعوات من مؤسسات تعليمية كبرى لتبني الحالات المستعصية التي تعاني من عسر الكتابة، وكذا لتأطير المتعلمين في مجالات الرسم والحروفية، فكانت العودة إلى الدار البيضاء أواخر سنة 2009، والانخراط للمساعدة على التربية الفنية والجمالية لأطفال وشباب عدد من المدارس والمؤسسات. من خلال أنشطة فنية واجتماعية. 
خطوة خارج الحدود
كانت أول زيارة مهنية وفنية لأوروبا في سنة 2002،  من أجل تنظيم عرض فني بمدينة “أونفيرس” البلجيكية دام خمسة أيام، وفي سنة 2014 كانت الزيارة الثانية لأروبا تلبية لدعوة أربعة مراكز اجتماعية وثقافية بإيطاليا من أجل تنظيم جولة لمعرض الصور الخاص بالآثار النبوية وآخر خاص بفن الحروفية والزخرفة، فكان العرض الأول بمدينة بييلا الإيطالية وثلاثة عروض لمراكز مختلفة بمدينة تورينو بنفس البلد، تخللت الزيارة تقديم دورات تكوينية لأطر ومعلمي هذه المراكز وتنظيم ورشات تدريبية لأبناء الجاليات المغربية والعربية في جمالية الخط وأسرار الكتابة بالعربية. ثم تلت هذه الجولة زيارة أخرى سنة 2018 لنفس المدينة بإيطاليا ثم مدينة باريس الفرنسية. وقد كانت هذه الخطوة تجسيدا لرؤية مستحسان العالمية حيث أظهرت التوجه الاجتماعي له ورغبته في نقل الفن والثقافة والمعرفة إلى أكبر عدد ممكن من الناس. 
صقل الموهبة وتطويرها
 في مجال الرسم والصباغة طور الفنان مستحسان معرفته وكفاءته، بالانفتاح على مدارس فنية متنوعة حيث تأثر منذ بداياته إلى الآن بأسلوب وأعمال الفنان الهولندي العالمي رامبرانت (1609-1668) لقوة هذا الأخير التعبيرية الكبيرة التي تتميز بها أعماله ولوحاته، وخصوصا لاستخدامه الفريد والمبدع للظل والنور، مما ساعده على إنجاز 8 لوحات زيتية أعطاهم عنوانا جماعيا “وجه الأمس” “Le visage d’hier” أنهى العمل عليهم سنة 2004. وللزيادة في صقل موهبته الفنية وتطويرها تسجل سنة 2003 بمعهد مولاي رشيد بالدار البيضاء في شعبة الفنون التشكيلية، كما استفاد من ورشات ودورات تكوينية، إما لجمعيات أو فنانين بشكل خاص.
أما في مجال الخط العربي فقد كان انفتاح مستحسان في البدايات على كراسات وكتب الخط وفي مقدمتها كراسة الخط العربي الشهيرة لهاشم محمد البغدادي رحمه الله. وبداية من  سنة 2000 كان لارتباطه المتواصل بالجامعات المغربية خصوصا داخل كليات جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء وانخراطه في الأنشطة الفنية الطلابية الأثر الكبير في تنمية ذائقته الفنية لاحتكاكه بفنانين كانوا معدودين على رؤوس الأصابع تعلم منهم قواعد الخط العربي وأنواعه وبعض تقنيات الرسم والصباغة. ومع الاهتمام المنقطع النظير الذي أصبح الخط المغربي يمتاز به في السنوات الأخيرة، خصوصا بعد إحداث شعبة الخط المغربي بأكاديمية محمد السادس للفنون التطبيقية التي تأسست سنة 2012 وإحداث مسابقة محمد السادس في فنون الخط المغربي والحروفية والزخرفة، فقد أصبح الخط المغربي يلقى مكانة بين الناس من خلال المعارض والورشات والجمعيات التي تأسست بعد ذلك لهذا الغرض، فكان لكل هذا الفضل في احتكاك الفنان مستحسان مع قامات ومبدعين في هذا المجال والتواصل معهم باستمرار للإفادة والاستفادة وتبادل التجارب معهم والخبرات. 
متعدد المواهب:
ما يميز إبداعات الفنان مصطفى مستحسان هو تنوع التقنيات التي يستعملها في أعماله من  رسم وصباغة وتخطيط على الثوب وعلى الجداريات والنقش على الجبص والرخام والطباعة اليدوية، وإعادة تدوير خامات من البيئة بتصميم إبداعي جميل وانفتاحه بشكل قوي على الموروث الحرفي المغربي التقليدي، المتميز بتنوعه وغناه وأصالته، كالرسم على الأواني الفخارية وعلى الجلد الطبيعي والبراد المغربي والشمع وغير ذلك بأسلوب جمالي معاصر. هذا الأسلوب الذي اختاره الفنان لنفسه والذي يؤكد فيه ارتباطه القوي بهويته الدينية والعربية والأمازيغية والوطنية وكل ما له علاقة بالجذور والتراث والأصالة. يستلهم كل هذا بروح معاصرة في أعماله الفنية. مع البحث المستمر في معانيه ودلالاته.
“أحاول أن أقدم أسلوبا مفهوما يجمع بين البساطة والعمق، أوظف فيه موروثنا الثقافي ويعكس هويتنا الدينية والوطنية بطريقة تلقائية فنية وجمالية، تعبر عن صدق إلهامي الفني الذي أحاول من خلاله نقل شعوري وإحساسي للمشاهد والتواصل معه بل الوصول إلى قلبه والتأثير في مشاعره”.
تظهر مسيرة مصطفى مستحسان كنموذج للفنان الذي يعيش للفن ويسعى لتحقيق التأثير الاجتماعي من خلاله. إنه يمثل مصدر إلهام للجيل الجديد من الفنانين والمثقفين، ويؤكد على أهمية دمج الإبداع والرسالة الاجتماعية في مسار الفن.