الوصول إلى بلدة "واد لاو" لم يكن بالأمر السهل، مرورا عبر منعرجات حادة بين منحنيات مقدمة سلسلة جبال الريف. حيثما وقع بصرك تجد الغدان والبطيخ منتشرا في كل مكان.
بلدة بحجم المدينة يسمونها ظلما وعبثا بأكبر قرية في منطقة غمارة، يغزوها الإسمنت، وتغطيها البنايات والفيلات من جميع الجهات.
كانت الشمس ساطعة في كبد السماء، وسطح البحر خامل غارق في سكونه، وكأنه مفروش بسجاد أزرق.
لسبب من الأسباب، وجدنا قناديل البحر المزعجة قد هجرت شاطئ واد لاو الممتد والطويل، حاملة معها لدغاتها ولسعاتها. إذ لم يعد هناك ما ينغص متعة المصطافين عدا غلاء الأسعار وجشع المضاربين.
على وقع زعيق عجلات شاحنة ضخمة، صحونا مذعورين. هرعنا إلى البلكونة لنستشف الحدث. وإذا بنا نرى حبات بطيخ تتدحرج كقطع ثلج مكورة فوق الإسفلت. ألفينا شاحنة ضخمة محملة بالبطيخ قد اصطدمت بسيارة طاكسي من الخلف. توقفت حركة السير كليا بعدما اختنقت الطريق، وعلت أصوات المنبهات القاسية.
انتفض السائق، واستشاط غضبا مثل ثور مطعون هائج. سرعان ما صعدت فورة الدم إلى رأسه وفقد توازنه، ثم جعل يلوح بيديه في توتر واضح. ما لبث أن طفق يمطر صاحب الشاحنة بوابل من السب والشتائم. كانت لحظات مشحونة بجدال عنيف. ظل الرجلان يصرخان في وجهي بعضهما تحت شمس حارقة.
فجأة ظهر شرطي يحمل كناشا. أخذ السائقان يتوددان ويصغيان إليه في حذر وهدوء، وكأنهما تلميذان أمام أستاذ صارم. بقدرة قادر، استحال سائق الطاكسي من بركان ثائر إلى نهر متجمد بأرض سيبريا. صار مؤدبا وشبه أبكم، لا يتفوه بشق كلمة، فيما عيناه ترقبان الشرطي الذي شرع في تدوين محضر الحادثة. لبث يغمغم بشفتيه لثوان معدودة، وكأنه يلعن غريمه في سره.
ما أن فرغ الشرطي من مهامه، حتى أمرهما بالصلح. تصافح السائقان وتعانقا في ود وكأن شيئا لم يحدث، ثم انصرف كل واحد منهما في حال سبيله. فيما ركب الشرطي دراجته النارية، وانطلق بسرعة الضوء كالصاروخ، للوقوف على ملابسات حادثة أخرى...