في لقاء حميمي يجمع الناس على ربوة موسيقية ملحونية تنهل من تراث موسيقي وغنائي أحد أبرز مظاهر الحضارة المغربية والدول المجاورة، إذ استطاع أن يوصل رسالة مضمونها أن اللغة العامية الشعبية قادرة شأنها شأن اللغة الفصحى على حمل الأفكار الشعرية الفلسفية المعقدة وأن العاميات قادرة أيضا على توليد الموسيقات المدهشة .
فشعر الملحون أو "لكلام" هو ضرب من الموسيقى والموسيقى نوع من الفن لأن هذه اللفظة تدل على الفنون الجميلة: فالنجارة والحدادة والخياطة والجبس وما إلى ذلك....من الصناعات التي يضرب في شأنها الكلام ترجع إلى إبداع الفنان لها وما تنتجه القصيدة من تأثير في النفوس، وهذا لن يكون إلا في "النظم" الذي ينظمه شعراء الملحون البارعون الذين يغيبون عن حواسهم وعقولهم فيكون شعرهم ضربا من الإلهام، وهذا يلاءم في الأصل أخلاق الناس لأن وظيفته هي التطهير "تطهير النفوس "للرقي بها إلى الجمال، ولا يكون الشيء جميلا إلا إذا كان متناسبا لأن التناسب والانسجام والائتلاف هو الأساس الذي يجعل الشئ جميلا سواء كان "لكلام" يقاس على جسم أو صورة أو لحنا موسيقيا أو معنى من المعاني.
فالحب هو القوة التي تأخذ بيد الشاعر وترفعه من الإعجاب بالجمال الجسدي الذي يلهمه الأقاويل الجميلة إلى جمال النفوس، وسيكون ذلك جليا في إنشاد "سعيد مفتاحي وماجدة اليحياوي وشيماء الرداف وعبد العالي لبريكي "إذ سيضعون المتفرج المتأمل في صراع ثلاثي:عقل/بدن/نفس مع الحرص على أن لا يترك الحبل على هواه لهذا الثلاثي، بل الغرض من ذلك الوصول به إلى حالة الصفاء.
والتعبير في الملحون قصيد منظوم على أنساق مخصوصة- يقول الأستاذ عباس الجيراري في كتابه "النغم المطرب بين الأندلس والمغرب " لها مقاييس شعرية تحدد نظام وزنها وقافيتها ومختلف مكونات إيقاعها.
أطلقت على الملحون أسماء دالة من بينها "لكلام، ،"السجية"، و "الموهوب " و "الأوزان" و "لكًريحة " .....
رحم الله من تركوا لنا هذا الزخم من التراث المغربي الأصيل، وطوبى "للخزّانة "، والشكر موصول إلى علماء أكاديمية المملكة المغربية التي أصدرت موسوعة الملحون في طبعة جميلة تسر الشغوفين بالقراءة والدرس، وهنيئا للذين يسهرون على إحياءه عبر ربوع المملكة، لذلك سيكون مدخل هذا العرس الملحوني ندوة علمية في موضوع "قضية الإنشاد في شعر الملحون المغربي ، "الملحون فراجتو فكلامو " أو التأويل النغمي لمعاني شعر الملحون.