كتاب صدر.. "مقدمات في قضايا الطفولة" للدكتور عبد الله أبو أياد 

كتاب صدر.. "مقدمات في قضايا الطفولة" للدكتور عبد الله أبو أياد  حمزة البويحياوى الباحث، والإصدار الجديد للدكتور عبد الله أبو أياد
لقد خاض الباحث، الدكتور عبد الله أبو أياد، في اصداره الجديد " مقدمات في قضايا الطفولة" بغمار مقاربة هذه القضايا ليفتح الباب بالخصوص أمام الباحثين المهتمين بها، ليسهموا في هذا النقاش العلمي، ولما لا يشاركوا في إنتاج ما يسميه المؤلف ضمن ثنايا الكتاب " رؤية تستمد قوتها أو مناراتها من فلسفة العناية وليس الرعاية". هذه الفلسفة التي تعني أن ما نقوم به إزاء هذه الفئة ليس تفضلا وليس إحسانا وليس وظيفة، ولكنه واجب إنساني، حضاري تفرضه علينا القناعة التي نقتنع بها، وهي أن العناية بالإنسان في هذه الحياة والارتقاء به وتمكينه هي رسالتنا كمربيين أو كقيميين على الشأن الإنساني.
إن الاطلاع على البحث بعد قراءة محطات المسار الأكاديمي والمهني للدكتور المؤلف يفيد في التأكد من معطى أن الأفكار الواردة في جميع فقرات المنتوج هذا، إنما خلاصة استنتجت عبر الجمع بين ذات الباحث الأكاديمية وذاته المهنية.  وهنا نلاحظ أن الأمر يتعلق بكاتب خبير في قضايا الطفولة، اشتغل مع هذه الفئة في فضاءات تربوية كثيرة منذ أن كان في مراحل التحصيل العلمي الأولى، ومازال لا يذخر جهدا في العمل مع هذه الفئة التزاما منه بما يسميه "الرسالة الربانية التي من أجلها يجب الاجتهاد والتفكير بسعادة الطفولة".
عقود من الزمن قضاها المؤلف في الاشتغال على قضايا الطفولة بصفة عامة، ودروس لا حصر لها ألقاها في المؤسسات العلمية التي درس فيها تخصصات تحضر فيها تيمة الطفولة بصفة عامة، وقضاياها السيكوتربوية والقانونية بصفة خاصة، كل هذا، ولد لدى الباحث قناعة تظهر جلية في عنوان البحث "مقدمات في قضايا الطفولة". 
ففي هذا العنوان، أولا، إشارة إلى أن الوارد من أفكار بين ثنايا البحث ما هي إلا مقدمات في تناول قضايا مختلفة مرتبطة بالطفولة، وثانيا، دعوة من المؤلف، لنا كمهتمين بشؤون هذه الفئة العمرية، إلى الاجتهاد في تناول هذه النماذج من القضايا التي لها تمفصلات ربما يصعب حصرها، وثالثا، في ما خلف كلمات العنوان، خصوصا، كلمة "مقدمات" يستخلص تواضع المؤلف وتمتعه بخصال الذات الفاعلة التي لا تسعى لادعاء المعرفة، وهنا لابد من الإشارة إلى أننا نتحدث عن رجل وهب سنوات طويلة من عمره، ونسأل الله أن يبارك له في عمره وصحته وأولاده وعلمه، وهبها للتفكير بالواجب وفق قيم التواضع وأخلاق النبل.
عبر تسعة محاور رئيسة تضمنها الكتاب، نجد المؤلف يفتح النقاش حول فئة الأطفال الذين يجدون صعوبات شتى، ويقدم نماذج كثيرة، أبرزها الأطفال في وضعية الشارع، هنا بالمجتمع المغربي، ويستحضر بعض الأرقام بمجتمعات أخرى، وفق إحصائيات أممية، ويسهب في تقديم ما يوضح جزءا من معاناتها اليومية، ويدقق، من خلال استحضار مراجع علمية عديدة، ودراسات أمبريقية، محددات وضعية الصعوبة التي يعانيها صغار السن، إنما لا يقف عند هذا الحد، بل يتساءل عن الجهود المبذولة لتأمين خدمات العلاج والتأهيل والتمكين من طرف كل الفاعلين، لاسيما وأن هكذا صعوبات، كما تدل الأرقام المستعان بها في الكتاب، تتفاقم في ظل تزايد أعداد الأطفال الذين يتخذون من الشارع حضنا بديلا لهم.
الصعوبات التي وقف عندها الدكتور أبو أياد في المحاور الأولى لكتابه، أغنى مقاربته لها بالوقوف عند نموذج آخر من الأطفال الذين يعانون صعوبات هم الأخرين، والأمر تعلق بالأطفال أبناء الأمهات المهاجرات خارج الوطن، وقلما نجد باحثا قد تطرق لقضايا هذه الفئة، ويتساءل عن حالة الطفل الذي تركته أمه لتهاجر إلى خارج الوطن لأسباب اقتصادية بغية تحسين الوضعية الاقتصادية للأسرة. وهنا، نسجل أن الباحث قد حاول الإقرار بأنه رغم إمكانية تحسن الأوضاع المادية للأسرة المعنية، إلا أن الطفل يتأثر بغياب أمه نظرا لعلاقتهما الخاصة. وعليه، كانت المضامين التي وردت في هذا المقام محاولة للإجابة عن أسئلة عديدة من قبيل: كيف كفلت الاتفاقيات الدولية حقوق هؤلاء الأطفال؟ وكيف اهتمت التقارير الدولية بالموضوع؟ ما هي الحماية المؤسساتية المتخذة لفائدة هذه الفئة؟ ما موقع هؤلاء الأطفال من السياسات العامة للدولة؟ ما هو التحصيل الدراسي ومفهوم الذات لديهم؟
وحاول الكاتب أن يؤكد على أنه في غياب علاقات تربوية قائمة على العواطف الإيجابية الهادفة، والتماسك الوالدي القائم على العلاقات النفسية التي يجب تحصينها ضد التصارع ما بين الوازع الروحي والوازع البيولوجي الذي يعانيه أغلب الأطفال المتحدث عنهم، يسجل عمق الانقسام والتفكك الذي يصل إلى حد الموت في بعده المعنوي.
وعطفا على هذا، حضرت قضية الجنوح، كتيمة جديرة بالبحث في شقه السيكولوجي والقانوني أيضا. وقد اعتبر المؤلف أن ما يسمونها "ظاهرة الأحداث الجانحين" تحظى باهتمام كبير، وأن قانون المسطرة الجنائية الجديد أصبح يساير التشريعات الجنائية المتطورة في قضاء الأحداث ويعاملهم على أسس ووقائع تختلف عن تلك التي تقوم عليها معاملة الرشداء. لكننا على أرض الواقع تواجهنا بعض الإشكاليات، ذلك أن المراكز الموجودة بالمغرب وعددها "16" لم تعد كافية لاستقبال "الجانحين من الأحداث" بعد رفع سن الرشد الجنائي إلى 18 سنة.
 كذلك، إن إيداع "الأحداث" الذين يوجدون في وضعية صعبة مع "الجانحين" سيؤدي إلى تلقينهم أساليب الإجرام وأن مركزي الإناث بفاس والدار البيضاء غير كافيين لهن، الشيء الذي يؤدي بهن إلى الفرار، وذلك نتيجة عدة أسباب من بينها الاكتظاظ الذي طرأ بعد هذا التغيير. ولم ينسى الإشارة إلى التدابير الوقائية "للحدث" في التشريع المغربي وقدم نماذج تدابير التهذيب والعلاج، ثم قضاء "الأحداث "في النظام الأنجلوسكسوني والجرماني -الروماني، عبر نماذج الولايات المتحدة الأمريكية، إنجلتــــرا وكنـدا. إضافة إلى التدابير المتخذة في حق "الأحداث" في الأنظمة الأنجلوسكسونية، خصوصا التدابير الوقائية، وتلك التدابير المتخذة في حق "الأحداث الجانحين" بعدة دول كألمانيا وفرنسا. 
عبر هذه المقاربة المقارنة، نسجل أن الباحث يريد استنتاج أنه إذا كان التأهيل النفسي والاجتماعي هو الوظيفة الأساسية لمراكز التهذيب والإصلاح، وفي ذات الوقت الغاية من إيداع "الأحداث" فيها، فإن الإبداع يلعب، بما ينطوي عليه من أبعاد وعناصر، دورا أساسيا في صهر شخصية الطفل وازدهارها الحر، وفي انفتاحه على القيم البناءة والارتقاء بذوقه وتفاعله الإيجابي مع البناء الاجتماعي الذي ينتمي إليه.
كل هذا لم يجعل الباحث غافلا عن الخوض في موضوع مهم جدا، يطرح نفسه بإلحاح اليوم، هو موضوع "الحماية الجنائية للطفل وحقوقه"، هذا الموضوع الذي أشار فيه الدكتور أبو أياد لجملة من الإشكالات القانونية والحقوقية التي تتصل بالطفل عموما، والطفل ضحية اعتداءات معينة، كالاغتصاب، التحرش، الإهمال....إلخ. . 
لذلك، نجد الدكتور الباحث يحاول أن يستفز القارئ المهتم بقضايا الطفولة، معرفيا، مع خلال محاولة تشريح الواقع السوسيوثقافي الذي يحيط بفئة الطفولة، فنجده يقول، مثلا إن عنصر الخبرات الأسرية يؤثر بشكل كبير في بناء مفهوم الذات، فالأسرة التي تعيش أوضاع مستقرة مطمئنة وتشبع أطفالها الحب والحنان يختلف أطفالها فيها عن الآخرين في درجة مفهوم الذات، خصوصا إذا كانت الأسرة تعيش التصدع والتفكك وسوء العلاقة بين الأب والأم، وتزايد هذا التوتر في الحياة اليومية للطفل، هذا دون إغفال جانب ذي أهمية كبرى، وهو غياب الأم عن البيت لأي سبب من الأسباب سواء للعمل أو الطلاق أو الوفاة أو السفر خارج أرض الوطن من أجل العمل، كل هذه الأمور تساهم في بناء التقبل الطفل لذاته وبناء نظرة إيجابية لهويته وللآخرين، وتنمية معارفه ومهاراته وبناء تحصيله الدراسي بشكل جيد.
لم ينس الأستاذ الباحث تعزيز الطروحات العلمية التي قدمها في إطار قضايا الطفولة عبر الإشارة إلى متغير أساسي يعتمد كعامل مفسر لقضية الانحراف، وهو التفكك الأسري. ما وراء أسطر الصفحات الأخيرة للكتاب، نجد أن الدكتور أبو أياد قد حاول التأكيد على أن قضايا الطفولة تبقى مركبة وتستدعي ترصيد المعارف عبر الاطلاع على مختلف العلوم. 
إن الدكتور عبد الله أبو أياد، يحمل هم الذات الفاعلة المفكرة بسعادة الإنسان، ويوظف خبراته وتجاربه المهنية، وكل ما راكمه من معارف علمية في مشارب متنوعة وغنية، في طرح مجموعة من القضايا التي تساءل راهن الفئة العمرية الأقل مناعة اجتماعيا بالمجتمع المغربي. ويرمي مؤلفه إلى توثيق الالتزام الناتج عن الرغبة والإرادة القويتين في توظيف البحث العلمي لأجل تحقيق النمو والتحضر الإنساني بارتباط دائم بالمعرفة العامة والمتخصصة في الظاهرة الإنسانية بالخصوص، على قاعدة الصلاحية العلمية التي تفرض المزيد من الأفاق البحثية والتجديد على مستوى الاجتهاد وتحيين الأفكار وتوسيع نطاقاتها وتطويرها باعتبارها عملا نوعيا وحاجة ملحة للنهوض بالإنسانية وتنميتها في ظل ما تواجهه من عواصف ثقافية وأخلاقية واجتماعية وسياسية واقتصادية.
قراءة كتاب " مقدمات في قضايا الطفولة" في اللقاء الذي نظمته شبكة المقاهي الثقافية بالمغرب في 28 يوليوز 2023 بالقنيطرة بالمقهى الثقافي Cole View.
حمزة البويحياوى، أستاذ بالمعهد الملكي لتكوين الأطر