يتضمن الخطاب الملكي فكرة محورية قوية تتمثل في قدرة الشخصية المغربية أن تصنع المعجزات أولا انطلاقا من مرتكز حضاري يتمثل في تجذر القيم الدينية والوطنية في نفوس ووجدان المغاربة بما يضمن السير في الاتجاه الصحيح والتلاحم الدائم، وثانيا انطلاقا من ميزة نفسية تكاد تكون ذات صبغة روحية لدى المغاربة وهي الجدية أو كما نسميها "المعقول". يتضح من خلال تأكيد الخطاب الملكي على هذه الخصائص بأن التشبت بالروابط الجامعة والتمسك بالجدية يشكلان معا المفاتيح التي ستمكن المغرب من مجابهة التحديات الكبرى التي تواجهه في زمن الأزمات دون أن يفرط في العمود الفقري لنموذجه الحضاري ومرجعيته الراسخة في وقت السيولة وتهاوي القيم والبنى العائلية والاجتماعية.
يمكن أن نجد في خطاب الملك محمدالسادس إشارات واضحة وقوية إلى ما يمكن أن نصفه ب"تحديث مغربي" فريد ينهل من الصرح القيمي الروحي والتقليدي العريق للمملكة المغربية من أجل صيانة الوحدة الترابية ومواصلة مسيرة البناء والتنمية في مجالات يستطيع من خلالها المغرب إبراز وتثمين مؤهلات الابتكار والإبداع، وقد ركز الخطاب على مستويات ثلاث لما يُعرف الأمن الإنساني وتتعلق بالأمن الطاقي والاجتماعي والمائي.
أما بخصوص العلاقات مع الجارة الجزائر، فالتأكيد مجددا على أن المغرب لن يكون مصدر سوء أو شر فهذا يعني أن الملك محمد السادس مقتنع تمام الاقتناع بأن الأمل مازال قائما في التوصل إلى طي صفحة الخلافات وإعادة فتح الحدود بين البلدين. بل، يمكن اعتبار رسالة اليد الممدودة قد أصبحت مسألة ثابتة ذات ميزة استراتيجية في فكر الملك محمد السادس الذي يريد معالجة أصل الداء من منظور بنائي عبر معالجة التمثلات والأفكار السلبية التي سكنت العقل الجزائري بشأن المغرب على مدى عدة عقود.