روائح البارود تنبعث من بنادق قرابة 700 فارس في مهرجان سيدي الغليمي (مع فيديو)

روائح البارود تنبعث من بنادق قرابة 700 فارس في مهرجان سيدي الغليمي (مع فيديو) جانب من فعاليات الدورة 15 من مهرجان سيدي الغليمي بعاصمة الشاوية
حرص شديد أبداه نور الدين الحامدي، مقدم فرقة سيدي احمد الخدير بمنطقة بني مسكين بسطات، وهو يتفقد تفاصيل الخيمة الكبيرة التي تحتضن 14 فارسا يستعدون للمشاركة ضمن فعاليات الدورة 15 من مهرجان سيدي الغليمي بعاصمة الشاوية الذي سينتهي يوم الأحد 30 يوليوز 2023.

"الخيمة هي وجه من وجوه أي سربة للتبوريدة، ونظافتها واناقتها من نظافة الفرسان وأناقتهم"، يقول المقدم الشاب الحامدي في لقاء مع "أنفاس بريس"، مضيفا، "هي خيمة نستقبل فيها ضيوف الفرقة، ونعقد فيها الاجتماعات وقبل هذا وذاك هي فضاء للصلاة، إلى جانب استعمالات أخرى ذات الصلة بالتبوريدة، من قبيل الحكي..."
 
تصوير: حسن الصياد

تم تأثيت الخيمة بزرابي مغربية أصيلة ناصعة الألوان، فيما يتوسطها جساد أخضر فاقع لونه، كما تم وضع كراسي تحمل الرموز الملكية بالأحمر والأخضر تتوسطها موائد، فالكرم من شيم عائلة الحامدي أبا عن جد، وتربية الخيول وركوبها وإطلاق البارود من مشتملات رسم الإراثة، لهذا فالتفاوتات العمرية ظاهرة في الخيمة بين الأطفال والشيوخ، "واللي جا مرحبا بيه"، يوجه المقدم نور الدين كلامه لمساعده محمد.

البنادق على الصدور والسكاكين في الظهور، التي يتوشح بها فرسان المقدم المسكيني وضعت بشكل ظاهر وجميل، فيما يتوسطها سرج حصان بلون رمادي زاهي، أعطى للخيمة رونقا وجمالا.. 

لخيمة الحامدي مرافق أخرى خصصت إحداها للطبخ وأخرى للعتاد، فيما اصطفت الخيول الدهماء أمام الخيمة الكبيرة، مما جعلها قبلة للزوار لالتقاط صور للذكرى، كل المنتسبين لفرقة الحامدي، يشتغلون كخلية نحل، الهدف هو "الفراجة" وتوفير كل الظروف لإنجاح إقامة الفرسان، من المكلفين بتوضيب الخيمة ومرافقها إلى طاقم الطبخ، مرورا ب "العمارة" أي المكلفين بملء فوهات البنادق بالبارود، إلى الحراس، والمشرفين على الخيول وحاجياتها من مأكل ومشرب وغسل..

تضم جنبات فضاء مهرجان سيدي الغليمي أكثر من خمسين خيمة تحتضن 46 سربة مشاركة بمجموع 690 فارسا ومثل هذا العدد من البنادق والخيول، وجديد هذه الدورة هو مشاركة فرقة من الفارسات تترأسهن المقدمة حنان تليد من مراكش.
موسم سيدي الغليمي ضارب في التاريخ، وأخذ صبغة مؤسساتية في العقدين الأخيرين، غاب خلال فترة الحجر الصحي زمن كورونا، لكنه عاد اليوم ليضمن مقعده ضمن "المواسم المصنفة" خصوصا في فقرات التبوريدة التي تستقطب جمهورا واسعا ليس فقط من سطات بل من الأقاليم المجاورة، إلى جانب أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج، وبالتالي فالموسم  فرصة للزوار للتعرف على تاريخهم، وثقافة أسلافهم، وتعميق هويتهم وتذوق سحر هذه الموكب الأصيل الذي هو مجد هذه المنطقة.
 
تصوير: حسن الصياد

لا تختلف طقوس الاستعداد للدخول ل "المَحرَك" بين هذه السربة وتلك، الكل يرتدي زيه التقليدي وهو متوضئ ليؤدي صلاة العصر، وقراءة الفاتحة والتضرع لله عز وجل بالحفظ والتيسير والنجاح، ثم التقدم بنظام وانتظام نحو "المحرك" الذي تمتد مساحته على 150 مترا طولا، و70 مترا عرضا..

بتأني كبير يرتدي رفاق المقدم نور الدين زيهم، من الحذاء الجلدي (التماك) إلى القميص والسروال القندريسي، ثم الحايك الذي يصل طوله بين 6 و8 أمتار  وعرضه متر ونصف،  الأمر أشبه بارتداء ثوب الإحرام في الحج أو العمرة، وهو أقرب إلى تجهيز العريس ليلة الزفاف وكذلك العروس بالنسبة للفارسات، حيث السعي نحو الطهر والتطلع للطهرانية، بياض في بياض..

تمتاز سربة المقدم الحامدي، بالالتحاف بالحايك، من وسط الجسم إلى الساقين إلى الكتفين، وتظل القطعة التي تتمايل مع حركة الفارس والحصان، تخطف الانظار والألباب على حد سواء، ويكشف احمد فردوس، الباحث في التراث والتبوريدة، أن أدوار الحايك متعددة لدى فرسان بني مسكين ومن يتقاسمون معهم هذا الزي، فهو يقي الفارس من الحر والقر، ويستعمل للصلاة، كما يشكل كفنا للفرسان الذين يتوفون وهم على صهوات الجياد خصوصا في زمن المقاومة.. 

رغم أن "الفراجة" لا تبدأ إلا بعد العصر، فإن قطاعا واسعا من الجمهور أخذ مقاعده ضمن المدرجات التي للأسف لم تكن مغطاة، مما جعل الشمس تسلط أشعتها على رؤوس الجمهور من الساعة الثانية بعد الزوال، "كل شيء يهون في سبيل الفراجة" يقول أحد الزوار، وهو يعيد ترتيب القبعات على رؤوس ابنيه الصغيرين وزوجته، واضعا بجانبه كيسا به قنينات الماء، وقطع من البسكويت، مضيفا، "الفراجة دائما تمتد إلى الفترة الليلية، والأطفال لا قدرة لهم على الصبر للجوع والعطش"، هذا الزائر لم يكن يبالغ في حديثه، حيث عاينت "أنفاس بريس" امتلاء المدرجات وجنبات المحرك عن آخرها، ساعة قبل إعطاء الانطلاقة لأول "قرصة" أي إطلاق البارود، رغم تخصيص شاشة عملاقة لنقل أطوار التبوريدة..

إلى جانب ما تشكله التبوريدة من فقرة تستقطب الجماهير، فإن "الفراجة" لا تستكمل في الاكتفاء بإطلاق البارود في لحظة موحدة، بل لابد لها من تنشيط وتثقيف، ولهذا الغرض، أخذ أحمد فردوس، أحد الوجوه البارزة في هذا المجال مكانه ضمن منصة الموسم، وقبل ذلك وضب مع أحد التقنيين جودة الميكروفون، وكذا لائحة القطع والأغاني الموسيقية التي تتغنى بالخيل والبارود، إلى جانب قطع شعبية ترافق التنشيط، أما ميدانيا، فإن محمد القاسمي، هناك بمقدمة المحرك، يلعب دور شرطي السير والجولان، لا تتحرك سربة دون أن يعطيها الإذن بذلك، وهو في ذلك في تناغم وانسجام مع زميله فردوس، ويشكلان معا ثنائيا يعطي مسحة خاصة لأي موسم ينشطانه.. وما يزيد من أهمية دورهما، هو إعلان حالات ضياع الأطفال بين الفينة والأخرى..

السلطات المحلية بكل تلاوينها حاضرة بقوة، فالأمن والطمأنينة والسلامة، أولويات في أي نشاط، انتشار مسبق لعناصرها، ضبط لمداخل المحرك ومخارجه، وضع الوحدات الصحية بشريا ولوجيستيكيا في حالة استنفار واستعداد دائمين تحسبا لأي طارئ، حيث تم نقل فارسين على وجه الاستعجال للمستشفى الإقليمي لسطات، فيما كانت الإسعافات الأولية يتم تقديمها في خيمة مجهزة. "حوادث السقوط من صهوات الخيول، وما قد تخلفه من جروح أو كسور، أمر ضمن المتوقع"، يقول الباحث أحمد فردوس، مضيفا، "لهذا على المقدم أن يقف شخصيا على مدى احترام شروط الركوب، خصوصا ربط الصهوة وسط الحصان، طبعا إلى جانب مسؤولية الفارس في التحكم في فرسه وضبط عملية الشد والجذب، لكن أشد ما نتخوف منه، هو خلال عملية إطلاق البارود، حيث نوصي باتخاذ كل الإجراءات لحفظ سلامة الفارس ومحيطه"، ويتذكر فردوس حوادث مميتة بسبب خطأ في إطلاق البارود خلال تحرك الخيول، أو أثناء إفراغ البنادق وتنظيفها..

جميع السربات أدت حركاتها وأعطي لها الوقت الكافي، رغم حرص محمد القاسمي، على ضرورة التعجيل بالخروج من المحرك، عند نهاية كل قرصة، حتى يتسنى لباقي الفرق استعمال المحرك بأمن وسلام.

ومع كل طلقة بارود، الأشبه بالضغط على الزر الكهربائي لمجموعة مصابيح، يزداد الحماس في المدرجات، وترتفع الزغاريد، خصوصا مع طلقات الفارسة حنان تليد..

وبمجموع 3 طلقات لكل سربة انتهى اليوم الثاني من موسم سيدي لغليمي بسطات، ليعود الفرسان والفارسات لخيامهم بعد ثلاث ساعات وأكثر من الفراجة المحفوفة بالمخاطر..

غابت شمس اليوم الثاني من هذا الموسم، لكن شمس التبوريدة، لن تغيب طيلة فصل الصيف، حيث تعج الجدولة الزمنية بمواسم هنا وهناك..
 
رابط الفيديو هنا