ومما جاء في ظهر الغلاف الكلمة التالية: "إن التاريخ ليس كتابا منتهيا أو سردا "مقدسا" نلجأ إليه للاطمئنان، وإنما هو ثقافة تُكتب باستمرار وذاكرة متجددة ومفتوحة على مجموع التراث الثقافي الرسمي والشعبي.. وأن البحث في هذه الذاكرة بما هي سرديات وقيم ونسيج من الهوية، هو من أجل تشكيل معرفة بالوعي والذات وتحقيق النسب المتين الذي نجد فيه أسئلتنا وأجوبتنا النسبية، ويمنحنا أدوات النقد لجعل المِرآة حاضرة بيننا.
إن الغاية من هذا الكتاب، من ضمن أهداف علمية وثقافية أخرى مُسطرة، هي أن نكتبَ أبحاثا جديدة وأصيلة ونسبية من صميم المعاينة والإنصات إلى المجتمع في ديناميته بمختلف فئاته، بوصفها ذاكرة جمعية وحيّة تتداول كل الإرث الذي يُصحح نظرتنا وما ترهّل من النظريات، ويُشذّبُ التواريخ من الشوائب والإسقاطات، ويملأ الفراغات وصفيرها المزعج، ويمنحنا لغة ذات مرونة تجري منسابة ورشيقة تُقوّض لغة الخشب وأحكام القيمة.
إن دور البحث العلمي في العلوم الإنسانية والاجتماعية، بمختلف الباحثين والتخصصات، لا يتوقف عند النظريات ومداوراتها داخل المدرجات المكيفة فقط، وإنما بالإنصات والحوار والشك والتنقيب والمعايشة الطويلة لما يحمله المجتمع في صدور كل فئاته وما فوق الأرض وتحتها، إنه التراث الثقافي المادي واللامادي الذي لا تستوعبه الكتب أو تستنفذه الأبحاث.
في هذا الكتاب، والذي هو تجربة أخرى من مغامرة مساءلة الذاكرة والبحث في المنسي ومنعطفاته، تلتقي الدراسات والأبحاث حول القبيلة (أولاد حريز) والمدينة (برشيد) في تقاطعات لا انفصال بينهما من جهة، كما هي ممتدة في تاريخ ومجال الشاوية وما بعدها من جهة ثانية. سبع وعشرون مقالة في خمسة محاور توزّعت بين تاريخ القبيلة، والتحولات المجالية، القروية والحضرية، ثم نماذج من المقاومة الحريزية ومن الأعلام الذين بصموا تاريخ هذه المنطقة، بالإضافة إلى قضايا تراثية.