في سياق معاناة ساكنة جهة درعة – تافيلات من مشاكل نضوب المياه يحذر سعيد ألعنزي تاشفين، منسق جهة درعة – تافيلالت لجمعية الدفاع عن حقوق الإنسان من خطورة الاستثمارات الفلاحية الضخمة الموجهة نحو التصدير على الأمن المائي والأمن الغذائي للمغاربة، داعيا إلى فرض الضريبة المائية على كبار المستثمرين، وفرض العدادات المائية على الضيعات الفلاحية الكبرى، ومنع بعض المنتجات المستنزفة للمياه الباطنية والإسراع في بناء السدود التلية وربط الأطلس الكبير الشرقي بمياه أم الربيع لإنقاذها من شبح العطش، محذرا من إمكانية اندلاع ثورات للعطشى في السنوات القادمة اذا استمر الوضع، وهو ما قد يسيء إلى صورة المغرب في الخارج .
كيف تنظر إلى مشكل العطش في إقليم ميدلت والذي فرض على الساكنة الخروج في مسيرات احتجاجية، علما أن الإقليم يعد خزانا لمياه الأنهار والبحيرات والعيون؟
أولا، سؤال الأمن المائي سؤال استراتيجي ودقيق جدا ولم يعد المجال يسمح بالتعامل معه بمنطق الترف السياسي، وقد سبق لنا أن نبهنا الدولة وصناع القرار الرسمي والحكومة ومختلف السلطات العمومية بأن حجم الاستثمارات الضخمة التي دعمها المخطط الأخضر دون الأخذ بعين الاعتبار لسؤال الأمن المائي سيؤدي إلى نتائج وخيمة جدا مرتبطة باستنزاف الموارد المائية. الآن أمام التغيرات المناخية الحاصلة في العالم، وأمام تعاقب موجات الجفاف وأمام الاستثمارات الضخمة في مناطق الرشيدية وزاكورة وورزازات وميدلت علما أن هذه المناطق هي الأكثر انخفاضا على مستوى سطح البحر، وبالتالي هناك استنزاف للمياه الباطنية، واستنزاف للمياه الاستراتيجية، ففي بعض المناطق بإقليم ميدلت يتم استعمال آليات تحلية المياه الباطنية والتي يتراوح سعرها ما بين 150 إلى 175 مليون سنتيم، والساكنة اليوم تشتكي من نضوب المياه بأقاليم ميدلت والرشيدية وكل المناطق المجاورة للحدود مع الجزائر، وإذا استمر تعاقب الجفاف إلى حدود فصل الشتاء المقبل فهذا سيدخل المغرب مرحلة كارثية يمكن أن تتسبب في ثورات العطشى، لذلك فسؤال الأمن المائي هو سؤال خطير جدا.
وهل نضوب المياه يعود لأسباب مناخية فقط أم إلى عوامل بشرية؟
هناك تعاقب للجفاف على الصعيد العالمي، فحتى أوروبا تعاني من مشكل الجفاف، ولكن في المغرب يتم ترويج بعض المغالطات من أجل تبرير مشكل استنزاف المياه، حيث يتم ربطه بمشكل تعاقب الجفاف على الصعيد العالمي وهذا الأمر بالنسبة لنا من وجهة نظر البحث العلمي والحقوقي غير صحيح، لأن أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية والدول الإسكندنافية تعاني من مشكل الجفاف على مستوى التساقطات المائية، ولكن بالنسبة لنا في المغرب فالمشكل غير مرتبط بالتساقطات المطرية، فنحن نعاني من استنزاف خطير وممنهج للمياه الجوفية أي المياه العمومية الاستراتيجية من طرف المستثمرين الكبار في القطاع الفلاحي، تصور معي هناك استثمارات تبلغ 2000 هكتار في الرشيدية وتبلغ 400 – 500 في إقليم ميدلت يتم تزويدها ب 15 إلى 20 بئر ويتم يوميا استنزاف المياه الجوفية باستعمال الطاقة الشمسية، ولذلك من الطبيعي جدا نضوب المياه في هذه المناطق، لذلك فبدل البحث عن مبررات تعاقب الجفاف في المغرب، ينبغي الإقرار بوجود سياسات عمومية فلاحية جاء بها المخطط الأخضر والتي تؤسس للاستنزاف الممنهج للمياه الباطنية دون التعامل التقني الذكي مع سؤال الأمن المائي في هذه المناطق.
في هذا الإطار البعض يرى أن الاستثمار في بعض المنتوجات الفلاحية التي تستهلك نسبة كبيرة من المياه في بعض المناطق هو السبب في استنزاف المياه؟
صحيح.. ففي جهة درعة – تافيلالت التي تعد ثاني أكبر جهة في المغرب من حيث المساحة معدل التساقطات المطرية أحيانا لا يتعدى 2 ملم، وهي منطقة محادية للحدود الصحراوية الجزائرية مما يعرضها لرياح " الشركي " على طول السنة، ومقابل هذه الظروف المناخية المتسمة بالقساوة نجد زراعة الدلاح والبطيخ، أليس من العبث والسوريالية أن تقوم زاكورة والرشيدية وورززات بتصدير الدلاح إلى إسبانيا وفرنسا وبريطانيا والبرتغال، أليس من العبث إقامة استثمارات ضخمة لتمور المجهول الذي يباع بثمن يصل إلى 100 درهم للكيلوغرام في الوقت الذي يعاني مواطنو جهة درعة – تافيلالت من مشكل التزود بالطماطم، وبالتالي، فبدل أن يتوجه مخطط المغرب الأخضر سابقا وحاليا نحو عقلنة استغلال المياه الباطنية لتحقيق الأمن الغذائي للمغاربة، تم التوجه نحو البذخ الفلاحي على حساب المياه الاستراتيجية من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي للأوروبيين من الدلاح والبطيخ والبطاطس وتمور المجهول. المنطق الباطني للسياسات العمومية الفلاحية منطق عجيب ويتطلب المراجعة المستعجلة .
ماهي التدابير الاستعجالية لمواجهة الوضع الحالي والمستقبلي وخاصة في حالة مواجهة موسم جاف الموسم المقبل لا قدر الله؟
نطالب الدولة والحكومة أولا بسن ضريبة الماء، نحن بحاجة ماسة إلى ضريبة الماء في جهة درعة – تافيلالت وبالمغرب عموما، فلا يمكن قبول وجود مستثمر يستحوذ على 1000 هكتار من أراضي القبائل ويتلقى المساعدات المالية من الدولة ويستنزف المياه الاستراتيجية الباطنية، دون أن يعطي درهما واحدا للدولة لذلك فالمدخل الأول لمواجهة الوضع هو المدخل الجبائي، بفرض ضريبة الماء على المستثمرين الكبار.
ثانيا، يجب فرض العدادات المائية على الضيعات الفلاحية الكبرى.
ثالثا، يجب بيع مياه السدود لأصحاب الضيعات الفلاحية الكبرى.
رابعا، يجب أيقاف استنزاف المياه من خلال منع الاستثمار في بعض المنتجات التي تستنزف المياه بشكل مبالغ فيه.
خامسا، يجب الإسراع ببناء السدود التلية.
سادسا، خلق بدائل، عبر ربط الأطلس الكبير الشرقي بمياه أم الربيع التي تنتهي فقط في مياه المحيط الأطلسي بمنطقة أزمور.
وأخيرا، ينبغي على السياسات العمومية الفلاحية أن تدرك أن تتعامل مع الأمن القومي للبلاد، وإلا في المستقبل القريب وأمام تعاقب سنوات الجفاف واستنزاف المياه الباطنية فلن نكون فقط في مواجهة مشكل الأمن الغذائي بل أيضا أمام ثورات العطشى وهو الأمر الذي سيسيء إلى المغرب، لذلك فنحن ندق ناقوس الخطر أمام الدولة والحكومة المغربية .