أحمد نور الدين: أنغولا تعمق عزلة الجزائر في إفريقيا..

أحمد نور الدين: أنغولا تعمق عزلة الجزائر في إفريقيا.. أحمد نور الدين
البيان المشترك لوزيري خارجية المملكة وانغولا، الصادر يوم الثلاثاء 11 يوليوز 2023، في أعقاب الدورة الثالثة للجنة التعاون المشتركة بين البلدين، تضمن تحولا جذريا في موقف انغولا من الصحراء المغربية، فقد عبرت في هذا البيان عن دعمها للحل السياسي القائم على التوافق، وهو ما يعتبر انقلابا على الموقف السابق الذي كان يعترف "بجمهورية تندوف" الوهمية. وهذا بحد ذاته مكسب دبلوماسي كبير للمملكة، خاصة وأن أنغولا كانت من الدول الأولى التي اعترفت بالكيان الانفصالي سنة 1976 اسبوعا واحدا بعد اعتراف الجزائر التي خلقت هذا الكيان واحتضنته ودعمته بالمال والسلاح والدسائس والمكائد وشراء الذمم. وهذا التغير في موقف انغولا يؤشر على هزيمة نوعية للنظام الجزائري لأنه جاء من أحد حلفائه المدافعين الشرسين عن المشروع
الانفصالي إلى وقت قريب، وهو ما سيكرس عزلة النظام الجزائري داخل الاتحاد الأفريقي الذي تراجعت داخله الدول المعترفة
بالانفصاليين إلى أقل من 12 دولة من أصل 54 دولة عضو في هذه المنظمة القارية.
وإذا استطنقنا مفردات البيان الوزاري المشترك المغربي الأنغولي، فسنجد ان "دعم الحل السياسي" يعني التخلي عن دعم المشروع
الانفصالي ويعني التخلي عن الخيار المسلح الذي تتبناه الجزائر والجبهة الانفصالية منذ تطهير الكركرات سنة 2020 من طرف القوات المسلحة الملكية. وبذلك يكون الموقف الأنغولي الجديد داعما بشكل مباشر للموقف المغربي الذي يتشبث بالحل السياسي الذي تتبناه كل قرارات مجلس الأمن منذ 2007.
كما أن وصف البيان المشترك لهذا الحل السياسي بأنه "قائم على التوافق اي "compromis " يعتبر هو الآخر موقفا مساندا للمغرب الذي تقدم بمشروع الحكم الذاتي، وهو حل توافقي قدمه المغرب ليحفظ به ماء وجه الجزائر التي أنفقت مئات المليارات لهدم وحدة المغرب طيلة نصف قرن دون طائل، و ليحفظ كذلك ماء وجه ما تبقى من قادة الجبهة الإنفصالية حتى يتمكنوا من العودة مكرمين غير خزايا إلى بلدهم المغرب. من هذا المنطلق يمكن أن نعتبر الموقف الأنغولي الجديد هو في حد ذاته سحب
للإعتراف بشكل ضمني، وأظن ان ما تبقى هو مسألة شكلية يجب ان تتم تسويتها في أسرع وقت بالطرق الدبلوماسية المعهودة، وأول الغيث قطرة كما يقال. ورغم أن الموقف من الصحراء المغربية هو "المنظار الذي ينظر به المغرب للعالم"، كما ورد في خطاب ملكي سابق، إلا أن المغرب يمنح بعض
الاستثناءات عندما يتعلق الأمر بالدول الأفريقية التي اعترفت بكيان تندوف في ظروف تاريخية خيمت عليها أجواء الحرب الباردة وسيطرت عليها البروبكاندا الجزائرية التي كانت تفوح منها رائحة النفط والغاز، ولدينا اليوم شهادات موثقة من شخصيات دولية مستقلة تؤكد استعمال الجزائر لدبلوماسية الابتزاز وشراء الذمم لانتزاع
الاعترافات بالكيان الوهمي، كما يشهد بذلك وزير خارجية تونس الاسبق سيد أحمد ونيس.
لهذه الاعتبارات وغيرها يتعامل المغرب مع هذه الدول بشكل مختلف عن تعامله مع بقية دول العالم في قضية الصحراء، ويسعى بذلك إلى إزالة سوء الفهم وإلى إبطال مفعول سحر الإبتزاز و البروبكاندا الذي تمارسه الجزائر، وقد اثمرت هذه المقاربة
"الإستثنائية" إلى حدود الساعة نتائج مقبولة تتراوح بين سحب الإعتراف وبين الحياد الإيجابي ودعم مقترح الحكم الذاتي القائم على التوافق،وهو ما جرى مع نيجيريا مثلا التي كانت تشكل ضلعا مهما في ثالوث الشرالمعادي للمغرب والذي تشكل الجزائر وجنوب افريقيا ضلعيه المتبقيين، وقد تمكنت الرباط فعلا من تكسيرهذا المحور وتحقيق التقارب مع أبوجا.وحسب المعطيات المتاحة، يبدو أن انغولا تسير في نفس الإتجاه، لأنها اولا دولة منتجة للنفط والغاز فهي بذلك ليست بحاجة إلى الرشوة الطاقية الجزائرية، ثم انها دولة تطمح إلى تنويع اقتصادها الذي يعتمد على تصدير النفط والغاز، وفي هذا الصدد ليس لدى الإقتصاد الجزائري ما يقدمه لها، فهو من بين أسوأ نماذج اقتصاد الريع الفاشلة إفريقيا وعربيا ودوليا.
في المقابل انغولا تلاحظ باهتمام الاستثمارات المغربية في إفريقيا من خلال تواجد ازيد من 600 مقاولة مغربية تغطي مجالات اقتصادية متنوعة، وأنغولا ترغب في الاستفادة من تجربة المغرب في مجالات بعينها مثل قطاع المالية والبنوك، وقطاع السياحة وقطاع الفلاحة وصناعة الأسمدة وقطاع التعدين، وقطاع التكوين المهني والتعليم العالي. وقد يسعى الطرفان إلى تكرار تجربة مصانع الأسمدة التي نجحت في إثيوبيا ونيجيريا وحوالي 12 دولة اخرى، لتغطية حاجيات انغولا ومنطقة إفريقيا الجنوبية من المخصبات الفلاحية، وهو مشروع يزاوج الفوسفاط المغربي والغاز الطبيعي
الأنغولي، مما سيشكل قيمة مضافة للاقتصاد الأنغولي في قطاع الصناعة التحويلية وقطاع الفلاحة على حد سواء، ويساهم من جهة أخرى في رفع حصة المغرب في سوق الأسمدة الإفريقية
ومن جهة أخرى أنغولا وعموم إفريقيا ليست بمعزل عن التحولات الجارية في النظام العالمي، ولم تعد تستسيغ خطابا يمتح مفرداته من قاموس الحرب الباردة، لا تجني منه القارة السمراء غير ويلات التفرقة والصراع المفضي إلى عرقلة قطار تنميتها ووحدتها. اكيد ان انغولا كغيرها من الدول الطموحة لا تريد البقاء في دائرة الأوهام
الإيديولوجية، ولا تريد تضييع طاقاتها في "مشروع الهدم" الذي تتبناه الجزائر، بل بالعكس من ذلك تماما، أنغولا والقارة الإفريقية تريد تدارك زمن التنمية الذي أضاعته في حروب اثنية وعرقية واخرى حدودية كانت تحركها مصالح المستعمر الأوربي بأيدي طابور خامس من العملاء داخل القارة بهدف إبقاء إفريقيا غارقة في النزاعات مما يسهل مهمة إبقائها تحت السيطرة ويبقي ثرواتها الطبيعية في قبضة الشركات الغربية! لذلك فأنغولا كما إفريقيا مقتنعة تماما بجدية الدينامية التي أطلقها المغرب، فاختارت مشروع البناء والوحدة والأمن الذي يطرحه المغرب، وتخلت عن مشروع الهدم والتفكيك وزعزعة الاستقرار الذي تقف وراءه الجزائر. والدول الإفريقية تدرك تماما أن النظام العسكري الجزائري لا يملك الشرعية للحديث عن تقرير المصير وهو الذي يحرم شعبه من تقرير مصيره واختيار قيادته المدنية، وقد ساهم الحراك الشعبي الجزائري في إسقاط القناع الايديولوجي الذي طالما خدعت به الجزائر الدول التي كانت محسوبة او قريبة من المعسكر الثوري عموما سواء في إفريقيا او أمريكا اللاتنية أو آسيا.
كما أن الدول الإفريقية تعلم أن القارة السمراء تعج بالألغام الانفصالية التي خلفها المستعمر الاوربي وراءه، فالحدود السياسية بين الدول لا تتطابق مع حدود القوميات والتثنيات والشعوب الأصلية والقبائل في إفريقيا وتشجيع المشروع
الانفصالي الجزائري ضد المغرب ستكون له عواقب وخيمة على تمزيق القارة كل ممزق، وامامنا حالات جنوب السودان واريتيريا، وما يقع في دارفور وتغراي والصومال، وغيرها من البؤر التي تؤكد هذا الواقع.
وختامها أنغولا تدرك أن التوجه الإفريقي، من خلال أجندة 2063 التي تتبناها كل الدول الإفريقية بلا استثناء، نحو انشاء منطقة قارية للتبادل الحر، تتيح للافارقة التنقل والاستقرار والتجارة دون حواجز، بالإضافة إلى مبادرات الاندماج الإفريقي اقليميا وقاريا، كلها تسير في الاتجاه المضاد للمشروع الإنفصالي الجزائري، وبذلك تكون اللعبة قد انتهت وبذلك تكون الشاة الجرباء قد عزلت.. ولا غالب إلا الله.