التوزاني: الجمهورية الوهمية.. شخصية قانونية بدون آثار واقعية (4)

التوزاني: الجمهورية الوهمية.. شخصية قانونية بدون آثار واقعية (4) الدكتور حكيم التوزاني
يقدم الدكتور حكيم التوزاني، أستاذ القانون الدولي العام والعلوم السياسية بكلية الحقوق بأيت ملول/جامعة ابن زهر بأكادير، مقترحاته حول المرتكزات القانونية لطرد الجمهورية الصحراوية الوهمية من الاتحاد الإفريقي، وتنسف‭ ‬دعامات هذا ‬الكيان‭ ‬المصطنع‭ ‬الذي‭ ‬"اخترعه" الخيال المريض للعسكر الجزائري. عارضا ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬إثباته‭ ‬من‭ ‬الناحية‭  ‬القانونية‭ ‬كأحد‭ ‬المداخل‭ ‬الأساسية‭ ‬لإعادة‭ ‬ترتيب‭ ‬البيت‭ ‬الداخلي‭ ‬للاتحاد‭ ‬الإفريقي‭ ‬بما‭ ‬ينسجم‭ ‬والقواعد‭ ‬الآمرة‭ ‬الضابطة‭ ‬للتفاعلات‭ ‬الدولية‭:

مؤدى‭ ‬مفهوم‭ ‬الشخصية‭ ‬القانونية‭ ‬التي‭ ‬يمنحها‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬للدولة،‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الأخيرة‭ ‬تكون‭ ‬مؤهلة‭ ‬لاكتساب‭ ‬الحقوق‭ ‬«حق‭ ‬البقاء،‭ ‬حق‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬الاستقلال،‭ ‬حق‭ ‬المساواة»‭ ‬وتحمل‭ ‬الالتزامات‭ ‬«واجب‭ ‬عدم‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى،‭ ‬واجب‭ ‬حل‭ ‬المنازعات‭ ‬الدولية‭ ‬بالطرق‭ ‬السلمية،‭ ‬واجب‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬التعاون‭ ‬مع‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬نظام‭ ‬الأمن‭ ‬الجماعي،‭ ‬واجب‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬معاملة‭ ‬جميع‭ ‬الأشخاص‭ ‬الخاضعين‭ ‬لسيادتها‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬المساواة»‭ ‬في‭ ‬علاقاتها‭ ‬بأطراف‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭. ‬
 
ذلك‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬مستواه‭ ‬الدولي‭ ‬تعتبر‭ ‬بمثابة‭ ‬أهلية‭ ‬الدولة‭ ‬لاكتساب‭ ‬الحقوق‭ ‬وتحمّل‭ ‬الالتزامات‭ ‬الدوليّة‭ ‬بإرادتها،‭ ‬مع‭ ‬امتلاكها‭ ‬للأهليّة‭ ‬الشارعة،‭ ‬أي‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬الإسهام‭ ‬في‭ ‬إرساء‭ ‬قواعد‭ ‬القانون‭ ‬الدولي؛‭ ‬عبر‭ ‬إبرام‭ ‬المعاهدات‭ ‬الدولية‭ ‬أو‭ ‬الاشتراك‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬الأعراف‭ ‬الدوليّة‭.‬
 
ذلك‭ ‬أن‭ ‬نطاق‭ ‬الشخصية‭ ‬القانونية‭ ‬الدولية‭ ‬يمكن‭ ‬تحديده‭ ‬بأمرين‭ ‬أساسيين:
أولا:‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬إرادة‭ ‬ذاتية‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ميدان‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية.
ثانيا:‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬ممارسة‭ ‬بعض‭ ‬الحقوق‭ ‬أو‭ ‬الاختصاصات‭ ‬الدولية‭ ‬وفقا‭ ‬لأحكام‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬العام‭.‬

ويترتب‭ ‬عن‭ ‬تمتع‭ ‬الدولة‭ ‬بالشخصية‭ ‬القانونية‭ ‬الدولية‭ ‬النتائج‭ ‬التالية:
• ‬مسؤولية‭ ‬الدولة‭ ‬عن‭ ‬أعمال‭ ‬ممثليها‭ ‬الذين‭ ‬تم‭ ‬تفويضهم‭ ‬قانونيا‭ ‬للتصرف‭ ‬باسمها:‭ ‬فالأفراد‭ ‬المفوضون‭ ‬«الدبلوماسيون»‭ ‬العسكريون‭...‬)‭ ‬بمجرد‭ ‬قيامهم‭ ‬بوظائفهم‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬التفويض‭ ‬المذكور‭ ‬تنعكس‭ ‬أثار‭ ‬أعمالهم‭ ‬على‭ ‬مسؤولية‭ ‬الدولة،‭ ‬سواء‭ ‬تعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بأعمال‭ ‬إيجابية‭ ‬كإبرام‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬أو‭ ‬تمثيل‭ ‬بلدانهم‭ ‬في‭ ‬الهيئات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬أو‭ ‬القنصلية‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬المؤتمرات‭ ‬الدولية،‭ ‬وبذلك‭ ‬تلتزم‭ ‬الدول‭ ‬بتنفيذ‭ ‬المقتضيات‭ ‬الواردة‭ ‬في‭ ‬متن‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬أو‭ ‬القرارات‭ ‬المتخذة‭ ‬عن‭ ‬المؤتمرات‭. ‬أو‭ ‬إذا‭ ‬تعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بأعمال‭ ‬سلبية،‭ ‬كتدخل‭ ‬دبلوماسي‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬دولة‭ ‬أخرى‭ ‬أو‭ ‬انتهاك‭ ‬سيادة‭ ‬الدول‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬عسكريين‭... ‬فإن‭ ‬الدولة‭ ‬تتحمل‭ ‬مسؤولية‭ ‬الأضرار‭ ‬سواء‭ ‬بالتعويض‭ ‬أو‭ ‬بتقديم‭ ‬الاعتذار‭ ‬أو‭ ‬بالتعهد‭ ‬بعدم‭ ‬تكرار‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الممارسات‭.‬

•‭ ‬استمرارية‭ ‬وبقاء‭ ‬الدولة:‭ ‬قد‭ ‬تتعرض‭ ‬الدولة‭ ‬لعملية‭ ‬انفصال‭ ‬لجزء‭ ‬من‭ ‬أجزاء‭ ‬إقليمها،‭ ‬أو‭ ‬لاقتطاع‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬ترابها‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬دولة‭ ‬أخرى‭ ‬بعملية‭ ‬ضم‭ ‬أو‭ ‬احتلال،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬شخصية‭ ‬الدولة‭ ‬تبقى‭ ‬قائمة‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استمرار‭ ‬علاقاتها‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دوام‭ ‬عضويتها‭ ‬في‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬عضو‭ ‬بها‭.‬

•‭ ‬وعلى‭ ‬مستوى‭ ‬السلطة‭ ‬السياسية:‭ ‬قد‭ ‬يتعرض‭ ‬نظام‭ ‬الحكم‭ ‬لتغييرات‭ ‬سواء‭ ‬بشكل‭ ‬ديمقراطي‭ ‬سلمي‭ ‬أو‭ ‬بانقلاب‭ ‬عسكري،‭ ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬تستمر‭ ‬شخصية‭ ‬الدولة‭ ‬ولا‭ ‬تتأثر‭ ‬التزاماتها‭ ‬الدولية‭ ‬ولا‭ ‬حقوقها‭ ‬المعترف‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار،‭ ‬يمكن‭ ‬تعداد‭ ‬الحقوق‭ ‬الدولية‭ ‬الثابتة‭ ‬لشخص‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬العام‭ ‬كالآتي:
•‭ ‬حق‭ ‬إبرام‭ ‬المعاهدة.
•‭ ‬حق‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬وتكوين‭ ‬القواعد‭ ‬القانونية‭ ‬الدولية‭ ‬الاتفاقية‭ ‬والعرفية،‭ ‬وذلك‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬الأشخاص‭ ‬الأخرى.
•‭ ‬حق‭ ‬التمثيل‭ ‬الدبلوماسي،‭ ‬أي‭ ‬إرسال‭ ‬واستقبال‭ ‬الوفود‭ ‬والبعثات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬والدولية.
•‭ ‬حق‭ ‬تقديم‭ ‬المطالبات‭ ‬الدولية،‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مدعيا‭ ‬أو‭ ‬مدعى‭ ‬عليه‭ ‬أمام‭ ‬المحاكم‭ ‬الدولية.
•‭ ‬التمتع‭ ‬بالمزايا‭ ‬والحصانات‭ ‬الدولية‭ ‬والدبلوماسية‭.‬

أما‭ ‬الالتزامات‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬تكون‭ ‬على‭ ‬عاتق‭ ‬الشخص‭ ‬القانوني‭ ‬الدولي‭ ‬فهي:
•‭ ‬ضرورة‭ ‬احترام‭ ‬قواعد‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬العام؛
•‭ ‬تنفيذ‭ ‬الالتزامات‭ ‬الدولية‭ ‬بحسن‭ ‬نية؛
•‭ ‬عدم‭ ‬استعمال‭ ‬القوّة‭ ‬أو‭ ‬التهديد‭ ‬باستعمالها‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬الحدود‭ ‬التي‭ ‬يقرها‭ ‬القانون‭ ‬الدولي؛
•‭ ‬تسوية‭ ‬المنازعات‭ ‬الدولية‭ ‬بالوسائل‭ ‬السلمية؛
•‭ ‬الالتزام‭ ‬بعدم‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬الأشخاص‭ ‬الدولية‭ ‬الأخرى؛
•‭ ‬الالتزام‭ ‬باحترام‭ ‬حقوق‭ ‬الأشخاص‭ ‬الدولية‭ ‬الأخرى‭...‬

وبحكم‭ ‬أن‭ ‬جمهورية‭ ‬الوهم‭ ‬الصحراوية‭ ‬لا‭ ‬تمارس‭ ‬حقوقها‭ ‬الدولية‭ ‬إذ‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تبرم‭ ‬اتفاقيات‭ ‬دولية‭ ‬يمكن‭ ‬تسجيلها‭ ‬بمقتضى‭ ‬المادة‭ ‬102‭ ‬من‭ ‬ميثاق‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لدى‭ ‬أمانتها،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬ليس‭ ‬لها‭ ‬بمقتضى‭ ‬مبدأ‭ ‬المعاملة‭ ‬بالمثل‭ ‬اعتماد‭ ‬بعثات‭ ‬دبلوماسية،‭ ‬كما‭ ‬لا‭ ‬تمارس‭ ‬حق‭ ‬التقاضي‭ ‬الدولي‭ ‬لدى‭ ‬المحاكم‭ ‬الدولية‭... ‬كما‭ ‬لا‭ ‬تنضبط‭ ‬للواجبات‭ ‬المفروض‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬تقلد‭ ‬بوصف‭ ‬الشخص‭ ‬القانوني‭ ‬الدولي،‭ ‬إذ‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تجنح‭ ‬للسلم‭ ‬في‭ ‬علاقاتها‭ ‬البينية،‭ ‬ولا‭ ‬تفوت‭ ‬فرصة‭ ‬لنقض‭ ‬مبادئ‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬التهديد‭ ‬واستعمال‭ ‬القوة‭... ‬مما‭ ‬يجعلها‭ ‬تستجمع‭ ‬مختلف‭ ‬مقومات‭ ‬نسف‭ ‬الشخصية‭ ‬القانونية‭ ‬عن‭ ‬شبح‭ ‬كيانها،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الركن‭ ‬يتواجد‭ ‬وينعدم‭ ‬بتواجد‭ ‬وانعدام‭ ‬الأركان‭ ‬السالفة‭ ‬الذكر،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬الجمهورية‭ ‬الوهمية‭ ‬بدون‭ ‬شخصية‭ ‬قانونية‭ ‬تخول‭ ‬لها‭ ‬إمكانية‭ ‬تحمل‭ ‬الالتزامات‭ ‬الدولية‭ ‬أو‭ ‬المطالبة‭ ‬بحقوقها‭ ‬أو‭ ‬إنشاء‭ ‬قواعد‭ ‬قانونية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المعاهدات‭ ‬والتصرفات‭ ‬الدولية‭.‬