هل مازالت رسائل غناء عن العيطة قادرة على تشنيف مسامع المتلقي بشذراتها الجميلة من قبيل "الْبَارُودْ عْلَى ﯕصَاصْ الْخَيْلْ" أو "يَعْجَبْنِي الْبَارُودْ فُوقْ رَاسْ الْعَوْدْ"؟ وهل مازال فرسان وشَعْبْ التّْبَوْرِيدَةْ يتغنّى بلازمة "الَحَبَّةْ والْبَارُودْ مَنْ دَارْ الْقَايَدْ" في زمن الإرتفاع الصاروخي والمهول لثمن الكيلوغرام الواحد من مادة البارود التي يحتاجونها "الْبَّارْدِيَّةْ مَّالِينْ الْخَيْلْ" خلال مواسم التبوريدة لتقديم عروضهم الفرجوية؟
في هذه الورقة تطل عليكم جريدة "أنفاس بريس" لنقل إكراهات تنظيم المواسم والمهرجانات برسم صيف سنة 2023، بعد أن عرفت مادة البارود ارتفاعا صاروخيا ولم يعد بمقدور أهل الخيل والبارود تنظيم تظاهراتهم التراثية بفعل ما وصفوه بـ "ريع التراث الذي يقتل الأمل والفرح".
ريع البارود يتمدد ويكبّل خيول وفرسان التبوريدة
ينتصب اليوم سؤال "ريع البارود" أمام كل الفعاليات والجمعيات والمؤسسات التي تشتغل بمسؤولية وجدية في إطار تعاقداتها السنوية، الثقافية والتراثية والاجتماعية والتنموية بخصوص إقامة المواسم والمهرجانات الصيفية (800 موسم في المغرب والمئات من المهرجانات)، ويترقبون مبادرة من يقدم لهم جوابا مقنعا، بعد أن ارتفع الكيلوغرام الواحد من مادة البارود (من 200,00 درهم إلى 550,00 درهم). (إيه نعم السي 11 ألف ريال للكلغ من أجل تحصين وتثمين تراث التبوريدة في ربوع المملكة).
السؤال الأكثر حرقة هو من خطط وقرر هذه الزيادة الفاحشة في ثمن البارود (150 في المائة)؟ وما الهدف من هذه الزيادة المهولة، بعد أن أدرج فن ورياضة التبوريدة ضمن قائمة التراث اللامادي الإنساني باليونيسكو؟ وهل تمت استشارة كل الفرقاء والمتدخلين (جماعات ومجموعات..) وهل استحضر "العقل الإداري" حقوق الفرسان والجمهور العاشق لتراث سنابك الخيل والبارود؟.
لقد علمنا بأن العديد من المواسم والمهرجانات الصيفية ذات الصلة بالخيل والبارود اضطر منظموها إلى تقليص عدد سربات الخيل المشاركة بسبب غلاء سعر مادة البارود من لدن الشركة المحتكرة، إلى درجة الاقتصار على عدد أصابع اليد، مما ساهم في بروز عدة مشاكل تنظيمية وكاد أن يعرقل البعض منها خلال شهر يوليوز من السنة الجارية.
صرخة فعاليات مهتمة بتراث التبوريدة
في هذا السياق أكد فاعل جمعوي لجريدة "أنفاس بريس" قائلا: "هذه الزيادة المفاجئة في مادة البارود خلقت ارتباكا واختلالا كبيرين لدى المهتمين بشأن التبوريدة والمنظمين للمواسم والمهرجانات على مستوى الجانب المادي خصوصا أن مصاريف البارود والحبة تلتهم جزءا كبير من الغلاف المالي لكل تظاهرة فرجوية ذات الصلة بالتبوريدة".
وتساءل نفس المتحدث باستغراب قائلا: "كيف يمكن اليوم في ظل هذه الزيادة الفاحشة أن تنظم جماعة هامشية في عمق المغرب موسمها السنوي وتصنع البسمة على وجوه الناس الذين يحتاجون إلى لحظة فرحة يتحلقون فيها على كأس شاي لإحياء رابط الدم والأخوة، و استرجاع روابطهم التاريخية والثقافية والاجتماعية والإنسانية؟".
فضيحة ريع الحبة والبارود
في سياق متصل اعتبر مدير مهرجان إحدى الجماعات الترابية القروية بجهة مراكش أسفي في تصريحه للجريدة بأن "الإرتفاع الصاروخي في مادة البارود (11 ألف ريال للكلغ) يعتبر فضيحة ريعية ما بعدها فضيحة في ظل سكوت الجهات المعنية بشأن تراث التبوريدة".
وشدد نفس المتحدث على أن "الزيادة بنسبة 150 في المائة في مادة البارود تعتبر تهورا من طرف الشركة المنتجة والموزعة". وأوضح بأن الزيادة التي طالت مادة البارود "لا يمكن تصنيفها إلا في خانة الريع الخطير الذي يجب التصدي له من طرف من أوكلت إليهم شؤون الثقافة والتراث والفنون الشعبية".
وعن سؤال للجريدة قال أحد المهتمين بفنون الفروسية التقليدية بأنه: "في الوقت الذي يترافع ويدافع ملك البلاد بعشق كبير من خلال رسائله وخطاباته ذات الصلة بالتراث المادي واللامادي، خصوصا فيما يتعلق بتراث الخيل والبارود كموروث ثقافي شعبي ضارب في عمق التربة التاريخية للأمة المغربية، نجد من يعاكس هذا التوجه المشرق للوطن، ويخبط خبط عشواء من أجل الربح السريع على حساب تراثنا اللامادي دون استحضار الضمير والهوية الوطنية في كل أبعادها الحضارية".
إليكم نموذج إكراهات الزيادة الفاحشة في سعر البارود
للتوضيح أكثر فإن سربة واحدة تتكون من 15 فارسا (بَّارْدِيَّةْ) بأحصنتهم الجميلة يحتاج قائدها، علام الخيل بصفته رئيس الكتيبة إلى 500 غرام على الأقل من البارود (نصف كلغ) لإطلاق طلقة واحدة، علما أن نفس السربة تحتاج إلى أربع طلقات في اليوم لإشباع رغبتها من البارود وتقديم عروضها الرائعة أمام الجمهور الذي يحج لمحرك سنابك الخيل بكثافة. بمعنى أن سربة واحدة تحتاج لـ (كيلوغرامين من البارود في اليوم). فما بالك إن كان الموسم أو المهرجان ينظم خلال أربعة أيام متتالية بمعنى أن السربة الواحدة ستحتاج إلى 8 كيلوغرامات من البارود أي ما يعادل 4400,00 درهم (88 ألف ريال للسربة) .
وحسب هذه المعادلة البسيطة، نستنتج أن الإكراهات المالية التي تنتصب أمام إقامة موسم أو مهرجان التبوريدة دأب منظموه (مثلا) على دعوة 30 سربة من مجالهم الجغرافي المشترك لتقديم عروض التبوريدة سيحتاجون دون لفّ أو دوران إلى ما مجموعه (88 ألف ريال "مضروبة في" 30 سربة = (13 مليون سم وأربعون ألف ريال). دون احتساب استهلاك مادة الحبة التي بدورها تربعت على سعر 120,00 درهم للعلبة الواحدة التي تضم 100 حبة. (أي ما مجموعه مليون سم و88 ألف أريال)، حيث ستصل مصاريف الحبة والبارود إلى ما يقارب 15 مليون سم.
السؤال الحارق هو: هل يمكن اليوم لموسم أو مهرجان يوجد في أبعد نقطة هامشية من المغرب العميق أن ينظم عروض التبوريدة ويلبي رغبة الفرسان وعشاق الخيل والبارود؟ وكيف للمنظمين أن يتخذوا قرارات الإقصاء لفرسان من المنطقة ودعوة آخرين؟
نداء إلى المسؤولين بحكومتنا الموقرة
إن كل القرارات التي تتخذها الجهات المسؤولة والوصية على شأننا الثقافي والتراثي والتنموي وتمس بحقوق الجماعات والمجموعات على مستوى التراث اللامادي ستنعكس سلبا على هويتنا وتاريخنا وحضارتنا المغربية، لذلك في اعتقادنا الشخصي أن تراث التبوريدة بكل مكوناته، يحتاج عاجلا إلى مناظرة وطنية، وأيام دراسية ينخرط فيها كل المتدخلين من مؤسسات تشريعية وتنفيذية وجامعية ودارسين وإعلاميين ومختصين في البحث السوسيولوجي والأنثروبولوجي ونخبنا الثقافية التي تترافع في هذا المضمار. في أفق بلورة مخرجات وتوصيات وخارطة الطريق التي تراعي الحقوق والواجبات.
على سبيل الختم:
العديد من المستجوبين الذين جالستهم جريدة "أنفاس بريس" ببعض المواسم والمهرجانات (جمهور وفرسان وعلامة التبوريدة ومنظمين..) دقوا ناقوس التنبيه، وعبروا عن امتعاضهم وقلقهم بخصوص الزيادة المهولة في مادة البارود (11 ألف اريل للكيلوغرام الواحد) واعتبروها ريعا خطيرا يحد من إقامة التظاهرات التراثية ويكبل الفعاليات الجمعوية المهتمة بفنون التبوريدة، وطالبوا بمراجعة أثمنة البارود والحبة.