عزيز الديش: قانون الجبل فرصة تاريخية لتجسيد مبدأ الإعداد المشترك للتشريع

عزيز الديش: قانون الجبل فرصة تاريخية لتجسيد مبدأ الإعداد المشترك للتشريع عزيز الديش
كما هو معلوم من خلال المنشور الوارد في بوابة مجلس النواب، ستكون،م الثلاثاء 4 يوليوز 2023 قد عقدت لجنة القطاعات الإنتاجية اجتماعا يخصص لتقديم مجموعة مقترحات قوانين ومن بينها أربعة مقترحات تهم المناطق الجبلية وهي:
- مقترح قانون يقضي بإحداث مجلس وطني للمناطق الجبلية ووكالات خاصة بالكتل الجبلية الرئيسية في المملكة، تقدم به فريق التقدم والاشتراكية؛ وتاريخ إحالته على المجلس كان هو يوم الخميس 23 دجنبر 2021 وقد تمت إحالته على لجنة القطاعات الانتاجية يوم الجمعة 7 يناير 2022.
- مقترح قانون يقضي بإحداث وكالة تنمية المناطق الجبلية، تقدم به الفريق الحركي؛ بتاريخ 14 يناير 2022 , وأحاله المجلس على لجنة القطاعات الانتاجية يوم الاثنين 31 يناير 2022.
-مقترح قانون الجبل، تقدم به الفريق الحركي؛ يوم الاثنين 23 يناير 2023 وأحاله المجلس بدوره على لجنة القطاعات الانتاجية يوم الاثنين 6 فبراير 2023.
-مقترح قانون يتعلق بالمناطق الجبلية، تقدمت به المجموعة النيابية للعدالة والتنمية؛ بتاريخ 31 يناير 2022 وتمت إحالته من طرف المجلس على لجنة القطاعات الانتاجية بتاريخ 14 فبراير 2022.
وقبل الخوض في حيثيات هذا المستجد والتعليق على هذا الاجتماع الذي عقدته لجنة القطاعات الإنتاجية بمجلس النواب بغرض تقديم مقترحات القوانين المتعلقة بالمناطق الجبلية، أرى ضرورة الإشارة الى بعض النقط الأساسية:
أولا، لا مناص من اعتبار هذا الحدث أحد النجاحات التي حققتها حركة ودينامية الجبال، كما يشكل الحدث أيضا ثمرة نضال واستماتة وصمود مناضلات ومناضلي الجبل وكل الحركات المدافعة عن قضايا المناطق الجبلية وساكنتها.
ثانيا، هذا الحدث يعبر بشكل جلي على التحول العميق لتعاطي المؤسسات العمومية والمؤسسات التمثيلية، وخاصة المؤسسة التشريعية مع قضية المناطق الجبلية. وإشارة قوية لمدى وعي ذوي القرار السياسي واعترافهم بمشروعية هذه القضية.
ثالثا، يعبر هذا الحدث عن تحول نوعي في المسار الترافعي لدينامية الجبال التي يمثلها الائتلاف المدني من أجل الجبل ويشكل أحد وجوهها البارزة. ويعتبر الحدث أيضا ثمرة المجهود الترافعي الكبير الذي قام به كل المدافعين والمدافعات عن قضايا المناطق الجبلية وساكنتها.
رابعا، الحدث أثبت نجاعة اختيارات الائتلاف المدني من أجل الجبل، ومصداقية القناعة المبكرة التي حصلت لديه ووعيه بطبيعة مختلف المراحل التي مر منها ملف المناطق الجبلية وبطبيعة عمله وبدوره الذي كان ولايزال يقوم به، على أساس الشراكة الكاملة والمفتوحة مع كل الفاعلين وعلى أهمية ووجوب الانخراط في العملية الترافعية وفي عملية التغيير والتطوير والإصلاح، متجاوزا بذلك الدور التوصيفي والمطلبي والخدماتي و الاحساني الذي يقتصر على ملء فراغات المؤسسات الحكومية، ومتطلعا للعب دور الفاعل الأساسي والمؤثر في القوانين والتشريعات والسياسات العمومية الخاصة بالجبل، عبر الحضور الدائم والمبادر في كل المحطات والأحداث التي عرفتها قضية المناطق الجبلية وعبر قيادة عمليات توعوية وتثقيفية وتنويرية وتعبوية واسعة للرأي العام إزاء هذه القضية، وكذا عبر السعي الدائم لتطوير حركية ودينامية ساكنة الجبال، لتتحول من قوة احتجاج إلى قوة اقتراح تساهم في عملية التغيير الاجتماعي وتحقيق التنمية الشاملة والعادلة.
خامسا، حدث تقديم مقترحات القوانين على أنظار لجنة القطاعات الانتاجية لا يمكن اعتباره بأي حال من الأحوال معيقا أو عامل اجهاض للنقاش العمومي الدائر حول قضية الجبل، بل يجب أن يساهم في تقوية الدينامية الترافعية الحالية لساكنة الجبال وعلى رأسها حملة 20000 توقيع، وأن يمنحها نفسا أخر ويجدد الثقة في إمكانية صياغة القوانين والتشريعات بقالب تشاركي يحقق التوافق والاجماع وأن يساهم في تجسيد انفتاح البرلمان على مسار الاعداد المشترك للتشريعات.
بشكل عام يمكن النظر الى هذا الحدث بمنظور إيجابي مع الاحتفاظ بحق الادلاء ببعض الملاحظات الساعية الى تجويد العملية التشريعية واخراج إطار تشريعي يستجيب لطموحات ساكنة المناطق الجبلية.
فمن خلال اطلالة سريعة على التسلسل الكرونولوجي والأشواط التي قطعها ملف الإطار التشريعي الخاص بالمناطق الجبلية خصوصا في الولاية التشريعية الحالية، يمكن بسط ملاحظتين أساسيتين:
الملاحظة الأولى والمتعلقة بمسألة المعايير التي اعتمدت في اتخاذ قرار احالة المقترحات القوانين على لجنة القطاعات الانتاجية والتي تضم ضمن اختصاصاتها (الفلاحة، التنمية القروية، الصناعة، الصيد البحري، السياحة، الصناعة التقليدية، التجارة الداخلية والخارجية والتكنولوجيات الحديثة) في حين كان من الأجدى في نظرنا أن تحال على لجنة البنيات الأساسية والطاقة والمعادن والبيئة والتي تضم ضمن اختصاصاتها (التجهيز، النقل، الماء، البيئة، المواصلات، الطاقة والمعادن، المياه والغابات، التنمية المستدامة) حسب اختصاصات اللجن التي تنظمها المادة 81 من النظام الداخلي لمجلس النواب.
الملاحظة الثانية، والمتعلقة بالإطار المفاهيمي والفلسفي الذي يؤطر تعامل المشرع مع قضية الجبل، ففي قراءة أولية اذن لهذه الإحالة نستنتج خلاصتين جوهريتين:
الأولى مفادها، أن المشرع ينحو في اتجاه سن تشريع بفلسفة لا تتجاوز سقف اعتبار المناطق الجبلية مجالات فلاحية، كما ينبأ بتكرار التعامل مع المجالات الجبلية بمنطق ثنائية (القروي-الحضري) واستمرار الخلط المفاهيمي والمنهجي وعدم أخذ خصوصية وتفرد هذه المجالات بعين الاعتبار. فاستمرار واعادة انتاج هذه المقاربة وهذا الفهم، والذي هيمن لعقود على المشرع وعلى واضعي السياسات العمومية، قد يجعل المدافعين عن قضية الجبل غير مطمئنين وغير مقتنعين بجدوى سن إطار تشريعي بهذه المواصفات.
والخلاصة الثانية، هي استمرار وإعادة انتاج نفس المقاربات التي وظفتها الدولة في تعاملها مع المجال الجبلي، نفس المقاربة القطاعية الضيقة لازالت حاضرة في معالجة قضية المناطق الجبلية والرغبة والتوجيه الغير المعلن لوضع ملف المناطق الجبلية في يد أحد القطاعات الوزارية الأساسية وهي وزارة الفلاحة. ما يزكي هذه الفرضية هي الخلفية الموجهة لمنطق الاحالة السالفة الذكر، وكذا تجربة بعض الاستراتيجيات والبرامج التي خصصت لهذه المناطق كصندوق تنمية العالم القروي والمناطق الجبلية والذي أسندت مسؤولية تدبيره لوزارة الفلاحة. في حين أن الاختيار الأنسب في نظري هو ان يسند هذا الملف الحيوي لرئاسة الحكومة على اعتبار أن جميع القطاعات الوزارية معنية بسن سياسات خاصة بهذه المناطق ونظرا لحضور قضايا الجبل بشكل عرضاني في جل هذه القطاعات ونظرا لأن الملف يحتاج الى فاعل من داخل الحكومة قادر على تنسيق الاستراتيجيات والبرامج القطاعية الموجهة للمناطق الجبلية وقادر على تحقيق الالتقائية وضمان نجاعة التدخلات.
الآن وقد تمت احالة مقترحات القوانين على لجنة واحدة وهي لجنة القطاعات الإنتاجية وأصبح أمرا واقعا وليس هناك امكانية الرجوع الى الوراء، ماهي حدود الممكن فعله حتى لا يتم اجهاض المسار التشاركي الذي دشنه البرلمان والذي عبر فيه عن عزمه القوي على تجسيد رهان البرلمان المنفتح؟ وما الواجب فعله حتى لا يتم انتاج قانون ناقص لا يرقى الى مستوى تطلعات ساكنة المناطق الجبلية وعموم المغاربة، والذي سيكلف بلادنا عقودا أخرى من الانتظار وهدرا للفرص التنموية.
أهم شيء وهو أن يدرك كل الفرقاء وعلى رأسهم المؤسسة التشريعية بكل مكوناتها أهمية اللحظة التاريخية وأن يتحلوا بروح المسؤولية ويعملوا على تنزيل التوجهات العامة للدولة وخاصة المتعلقة بورش الحكومة والبرلمان المنفتحين بالمغرب ودعم الديمقراطية التشاركية. وكذا توظيف كل الإمكانات التي تتيحها القوانين.
وفي هذا الصدد يمكن استثمار بعض مواد النظام الداخلي لمجلس النواب. بحيث يمكن للجنة القطاعات الإنتاجية مثلا باعتبارها اللجنة التي احيلت اليها مقترحات القوانين المتعلقة بالمناطق الجبلية، وبمبادرة من مكتبها أن تمنح الوقت الكافي في عملية البت والمناقشة وأن تبحث سبل اشراك كل المتدخلين والمعنيين بقضية المناطق الجبلية. عبر برمجة معقولة لأعمالها خلال مناقشتها لهذه المقترحات قوانين وذلك وفق الصلاحيات المخولة لها في تحديد المواعيد ومدد اجتماعات اللجنة حسب المادة 92 من النظام الداخلي لمجلس النواب.
وبغرض إيجاد فرص أكثر للتدقيق والنقاش والتفكير العميق في موضوع من حجم القانون الخاص بالمناطق الجبلية، يمكن اللجوء لأقرب الحلول وأكثرها واقعية وقابلية للتحقق وذلك من خلال مبادرة ذاتية للجنة القطاعات الانتاجية، أو من خلال طلب يوجه الى مكتبها من طرف رئيس فريق او مجموعة نيابية يقترحون فيه تنظيم أياما دراسية حول موضوع "قانون الجبل" وهذا الاجراء تؤطره المادة 95 من النظام الداخلي لمجلس النواب. ومن شأن هذه الأيام الدراسية تقريب الرؤى بين مكونات اللجنة، وستسمح بالاطلاع على تصورات ووجهات نظر اخرى بما فيها الاطلاع على مقترح الإطار التشريعي الخاص بالمناطق الجبلية الذي أعده الائتلاف المدني من أجل الجبل كهيأة مدنية، وكذا ستكون فرصة لتحقيق نوع من التوافق والاجماع حول القانون المستقبلي للجبل.
ان طبيعة موضوع اخراج إطار تشريعي خاص بالجبل وما يكتسيه من أهمية حيوية واستراتيجية لمستقبل المغرب تقتضي توسيع مجالات التعبئة المجتمعية عبر تمكين المغاربة وخاصة ساكنة الجبال من تتبع مسارات هذا الملف حيث يمكن عقد اجتماع او اجتماعات لجنة القطاعات الانتاجية بشكل علني لحظة مناقشتها لمقترحات القوانين المحالة اليها والخاصة بالجبل حسب ما تنظمه المادة 96 من النظام الداخلي لمجلس النواب، ويمكن تحقيق ذلك بطلب من رئيس المجلس أو من الحكومة او من مكتب اللجنة. وموضوع المقترحات قوانين المحالة على لجنة القطاعات الإنتاجية، في نظري يستوفي شروط عقد الجلسات والاجتماعات العلنية باعتباره يهم نصا تشريعيا موجها لشريحة واسعة من المواطنين والملزمين وأيضا هو موضوع رقابي يستأثر باهتمام الرأي العام الوطني.
ومن أجل البحث عن سبل خلق توافق واجماع وطني حول قانون الجبل المستقبلي وربحا للجهد والوقت يمكن التماس تركيز اللجنة على مناقشة مقترح قانون واحد من بين مقترحات القوانين المحالة على أنظار اللجنة، والمادة 180 من النظام الداخلي لمجلس النواب تقر في الفقرة ما قبل الاخيرة، على ان ايداع مشاريع ومقترحات قوانين ذات موضوع واحد تعطى الأسبقية في الدراسة للنص التشريعي الذي أودع اولا على مكتب المجلس ما لم يقرر هذا الاخير خلاف ذلك مع بيان الاسباب الداعية الى ذلك.
ويرتهن نجاح هذه العملية على الإرادة والقناعة التامة لكل أعضاء اللجنة بضرورة ضمان عملية الانفتاح على المقترحات الأخرى بما فيها المقترح الذي أعده الائتلاف المدني من أجل الجبل كهيأة مدنية.
انها فرصة حقيقية ليثبت من خلالها مجلس النواب صدقية نواياه عبر المزيد من العمل بغية تفعيل المادة 137 من النظام الداخلي للمجلس، والتي تقضي بانفتاح المجلس والتواصل مع المجتمع المدني في إطار مبدأ التواصل الخارجي وعلى اقامة علاقات التعاون وارساء دعائم شراكة حقيقية ودائمة مع هيئات المجتمع المدني بهدف الاستماع والتفاعل الايجابي مع انشغالاتها. وفرصة تاريخية لتجسيد مبدأ الإعداد المشترك للتشريع.
 
ذ. عزيز الديش: باحث ومهتم بقضايا الجبل