بعد اجتماع مفاجئ لمجلس الأمن الجزائري دون حضور مكوّناته المدنية، قرر العسكر حشد قوات ضخمة في بشار قبالة الرشيدية وفي تيندوف قبالة المحبس... لم تبرر القيادة العسكرية الأسباب وراء هذا التصعيد والسؤال... هل يعكس هذا القرار «نرفزة عابرة» أم استعداداً لتنفيذ مخططات عدوانية؟.
البروباغاندا يأتي هذا التوتر الجزائري في ظروف داخلية جد مقلقة، حيث يواصل الرئيس عبد المجيد تبون حشد آلة «البروباغاندا» لضمان نجاحه في الحصول على عُهدة ثانية، لذلك نجد كل الأبواق تتحدث عن «الجزائر الجديدة» ومنجزاتها «العظيمة» وعودتها بقوة إلى الساحة الدولية .... لهذه الغاية تنفخ الأبواق الإعلامية في «مزامير» التهليل كإبراز حصول الجزائر على مقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي واعتباره وانتصاراً ساحقاً للرئيس الجزائري ولسياسته القائمة على الأمن والسلم». ولدغدغة العواطف سارع تبون إلى تخصيص الملايير لإقامة تمثال ضخم لعبد القادر الجزائري يكون الأعلى في العالم... رغم أن حياة هذا المجاهد انتهت بصداقة مشبوهة مع المستعمر الفرنسي !
نفخ العجلات
عندما يحاول الملاحظ الوقوف عند المنجزات الاقتصادية لتبون بعد سنوات من حكمه يتضح أن الاقتصاد الجزائري لازال قائما على الريع البترولي والغازي، وأن آلة الإنتاج متوقفة، وأن رأس المال يرفض المغامرة في بلاد تغير وزرائها باستمرار وتفتقد لسياسة واضحة في هذا المجال. فمثلا حديد غارة جبيلات لازال في مكانه، رغم الدعاية الكاذبة حول بداية استغلاله... وأحواض الفوسفاط لازالت هي الأخرى تنتظر من يعتني بمخزونها... والميناء الضخم القريب من وهران لازال يبحث عمن يهتم به ليحوله حسب الدعاية الجزائرية، إلى ميناء منافس لميناء طنجة المتوسط ... وكان تبون قد أعلن عن افتتاح أكبر معمل لإنتاج الزيت له أن المادة الأولية للإنتاج غير متوفرة، ولابد من استيراد آلاف الأطنان منها... وهذا يشبه ما سبق لتبون أن أعلنه... إنهم ينفخون في العجلات ويدعون بأنهم يصنعون السيارات ويصدرونها.... هي نفس الحكاية تتكرر اليوم مع الزيت وأسطورة أكبر معمل في أفريقيا ! لكنه صدم عندما اتضح !
قوارب الموت
في هذا الوقت تتصاعد الاحتجاجات الشعبية نظرا للهجمة البوليسية وقمع الحريات، واعتقال أصحاب الرأي المخالف، وإجراء محاكمات دون ضمانات قانونية، وإقفال المؤسسات الإعلامية، وخلق جو من الخوف والرعب يذكر بممارسات كوريا الشمالية... تتميز الوضعية كذلك بقلة المواد الاستهلاكية وما يرافقها من طوابير بحثاً عن الحليب والزيت والدقيق بل تطال الطوابير قنينات الغاز في بلاد تنتج الغاز.... و أخيرا ظهرت طوابير أطباء الأسنان الباحثين عن المخدر الذي يستعملونه في عملهم اليومي.....
هذا التوتر يتضاعف مع ارتفاع استهلاك المخدرات ونسبة البطالة وتكدس شباب «الحيطان»، بينما تستفحل ظاهرة استغلال الطالبات في الجامعات في علاقات فساد... واستغلال فتيات جزائريات في ممارسات دنيئة داخليا وخارجيا... كل هذا جعل من الجزائر الجديدة أول دولة في شمال إفريقيا» تصدر شبابها في قوارب الموت بحثا عن مستقبل ينتهي في العديد من الأحيان في أعماق الأبيض المتوسط.....
حركة احتجاج مقابل هذا التدهور في الحياة اليومية للمواطن، يواصل العسكر إحكام قبضته على الدولة والمجتمع يخوض حرب مواقع أدت إلى اعتقال العشرات من كبار الضباط وتقديمهم لمحاكمات غير عادلة ونتيجة لذلك بدأت في صفوف الجيش حركات احتجاج وعصيان... وفي أعماق الجيش الجزائري وثكناته ظهرت تحالفات ومؤشرات تدعو إلى ضرورة التغيير... تغيير القيادة... تغيير الاستراتيجية... تغيير مُعاملة صغار الجنود والضباط.....
ورغم صرف الملايير لمزيد التسلح ظهرت أزمة قطع الغيار للدبابات والطائرات والغواصات، وجاءت حرب أوكرانيا لتعمق الأزمة، وترعب العسكر... كل هذا يضاعف من توتر شنگريته ويدفعه لمزيد التشنج خوفاً من عودة الحراك الشعبي الذي قد يعصف بالسلطة، ويُبعد العسكر على الحكم مع بروز جديد للمطالبة بدولة مدنية وليست عسكرية.....
اختطاف
هكذا يضرب الفشل دولة في حجم قارة» تتوفر على مخزون ضخم من الغاز والبترول وعشرات المعادن... رغم ذلك فتبون يبحث عن أي مبرر لإلهاء السكان على أن السياسة الوحيدة التي يتقنها هي الكذب على مواطنيه... «الجزائر الجديدة» بدون أفق ولا مشاريع مهيكلة ولا تهافت الرؤوس الأموال، ولا توفير المواد الاستهلاكية الضرورية... تبون له هاجس وحيد هو إعادة انتخابه لعهدة جديدة، لذلك يسعى إلى «اختطافها»، ولو بالمغامرة بمصير شعب بكامله... إن ما تعيشه الجزائر اليوم يؤكد بأن التاريخ سيصف تبون بأنه «أفشل» رئيس جمهورية منذ استقلال الجزائر.