الزكي باحسين: يوم سرقت القردة ملفات الحكومة

الزكي باحسين: يوم سرقت القردة ملفات الحكومة

في بدايات استقلال الدول عن الاستعمار واجه كل بلد بدايات مؤلمة للاستواء. الهند مثلا وهي بلد/ قارة كانت لها معارضة جد خاصة. كانت القردة بعدد يفوق ما استعملته أنجلترا من جنود لغزوها. ولسبب تعلمه القردة وحدها أوجدت هذه الكائناتلها مهمة وحيدة في الحياة: سرقة ملفات المكاتب الحكومية.

لقد رفضت القردة استقلال الهند.

كان لها -ربما- تصورها الشخصي في استبعاد أنجلترا. على أية حال، لم تكن في وفاق مع غاندي. أوكلت الحكومة الهندية للحرفيين مهمة تحرير المكاتب الحكومية من الاستعمار الحيواني للقردة.

تولى حرفيو الهند مهمة القضاء على القردة. غير أن المكافأة الحكومية لم تكن قدر الجهد المبذول، لتنسق القردة من جديد في حلف غريب مع الحرفيين، فكان عهد الهجوم الثاني على المكاتب الحكومية وسرقة أرشيفاتها.

قاد الوضع الغريب المفروض على الحكومة من طرف القردة والحرفيين رئيس الوزراء جواهر لال نهرو إلى ابتكار فكرة حركة دول عدم الانحياز.

اقتنع بالفكرة الرئيس جمال عبد الناصر والرئيس اليوغسلافي تيتو، وتلاهما اقتناع 27 رئيس دولة.

قيل في حركة عدم الانحياز إنها حركة غير منحازة لا لأمريكا ولا إلى السوفيات. والحال أنها حركة نهروية [نسبة إلى نهرو] تعني لا انحياز لا للقردة ولا للحرفيين.

الحرفيون وهم وقود كل ثورة أوجدوا لهم في الأممية الاشتراكية وضعا اعتباريا دوليا، فيما القردة انتظرت من دولة منغوليا تذكير الحكومة الهندية بأنها رغم كونها سارقة أرشيف تستحق لقب مواطن هندي.

زار رئيس وزراء منغوليا الهند وتولت سفارتها توزيع حكاية من صفحتين عن قصة من مأثور السرد الشعبي المنغولي.

تقول الحكاية:

في الزمن البعيد. البعيد جدا. كانت هناك دولة كل مواطنيها سعداء، موفوري الصحة لا فقر ولا مرض. وكانت السماء في اتصال مع أرض ذاك البلد، تبعث إليها بمائها وتسقيها على مر الأيام.

وفي يوم جلس الملكبين حاشيته يخبرها بأنه مصدر سعادة البلد. فهو عادل وحكيم. الملكة اعتبرت قول الملك تبجحا يلغي مكانتها في صنع سعادة البلاد.

حاشية الملك اعتبرت تباهي البلاط من باب الجهل بحقيقة الأمور، وطالبت الملك والملكة النظر في مصدر سعادة البلاد. إنها تنبع من الحاشية.

اختلف الجميع.

وأوكلوا لكبير الحكماء البث في النازلة: ما سر السعادة في بلادنا، الملك أم الملكة أم هي الحاشية؟

نزع الحكيم سر سعادة البلاد من بني البشر ملكا كان أو ملكة أو حاشية.

بهت الجميع حينما أسر لهم الحكيم أن مصدر سعادة البلاد قرد وفيل ويمامة وأرنب. وهم جميعا أصدقاء. حتى جاء يوم الخلاف.

تناظروا فيما بينهم أيهم أكبر سنا.

وقف الأربعة بالقرب من شجرة موغلة في السن.

قال الفيل: عندما كنت صغيرا كانت هذه الشجرة أقصر مني.

وقال القرد: عندما كنت صغيرا كانت هذه الشجرة تلقي ظلا أصغر من جسمي.

وقال الأرنب: عندما كنت صغيرا كنت آكل أوراق هذه الشجرة وهي لا تزال تحبو على وجه الأرض.

وقالت اليمامة: هل تعرفون أن هذه الشجرة كانت بذرة في منقاري وأنا التي ألقيتها على الأرض.

ومذاك الحين،آمن الجميع بأن اليمامة هي الأكبر سنا.. فكانوا إذا ساروا صعد القرد على ظهر الفيل وصعد الأرنب على ظهر القرد، فيما اليمامة تجلس على رأس الأرنب، وهي وحدها التي تلتقط الثمار من أعالي والأشجار.

ومذاك الحين، لم تعد هناك ثمرة مهما كانت عالية لا يستطيع هؤلاء الأربعة أن يقطفوها. وعندما يكون هناك خطر، فإن اليمامة تتولى الإخبار السريع.. يتعاضد الجميع من أجل النجاة.

قرأ نهرو الحكاية وترك أبواب المكاتب الحكومية مفتوحة، ولم تعد القردة تسرق ملفات الحكومة،فلقد استحدثت لها الحكومة نصيبا من الجراية تأكل منها؛ أما الحرفيون فتمادوا في العمل ليصنعوا من بلدهم قوة اقتصادية عظمى..

... واستمرت اليمامة في قطف ثمار الأشجار واقتسام الغلة مع القرد والأرنب والفيل إلى أن سمعت بوزير مغربي اسمه مبديع تحجج بمنديل وسرق الثمرة الملكية من "الطبسيل".. ومع وجود كاميرا تثبت الجرم الفاضح قام بالنفي على طريقة "لما القاطع". لتعلق اليمامة على الواقعة: وبآآآآآز على رئيس بلدية لفقيه بنصالحيقطف الثمرة الملكية من "طبسيل" الضيافة ويحشوها بنواتها في بطنه من غير أن يقتسم لا مع الأرنب ولا مع القرد ولا مع الفيل...

قال الحكيم: لهذا السبب بلاد المغرب غير سعيدة.. لأن الذي يتولى قطف ثمارها شديد الأنانية إلى حد أنه لا يدرك أنه في البلاد فيل وأرنب ويمامة وقرد.. ينتظرون نصيبهم.. وكاميرا -أيضا- توثق لأكله المنفرد.