في مادة :"هيكلة المجالس العلمية تزكي صولة مصطفى بنحمزة الأصولية في الشرق"، في 2 يونيو 2023، وهي تروي "رسائل" تمييع مصطفى بنحمزة لاجتماع رسمي لرؤساء المجالس ليمرر بهذا الإنزال، رسائل معينة في أسرع وقت وأوسع مدى ،عبرت "أنفاس بريس" عن حق بنحمزة في "الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع"، من منطلق أن آفة الأخبار رواتها.
لكن سي مصطفى لم يمارس وظيفته المفترضة في التنوير.بل ترك المجال لحواريي منظومته السياسية ل في ترابط التمكين المخزني للأصولية في الحقل الديني، بضبط آلية الحضور في المشهد السياسي، زحفا وتربصا ومواربة، فكانت خرجة أبي زيد في هذا الإطار، انتصارا لشخص بنحمزة من جهة ، وتعبيرا من جهة أخرى، عن ابتهاج الأستاذ بنكيران بهدية الوزير التوفيق، خصوصا وأن تعيينات أمانة المجلس العلمي الأعلى هي وحدها، بالكامل أصولية، فما بالنا بتعميد بنحمزة أوغيره، هنا أو هناك.
فأمام تخلف بنحمزة عن القيام بالواجب، سنذكر بتأطير "أنفاس بريس"، لجانب في روايته، مع بعض التوقف،حتى لا يتم مسح الطاولة بالكامل.
فقد حمل تأطير الرواية، العبارة التالية: "ففي باب السم القاتل، صرح بأن الملك فوض لوزير الأوقاف التعيين في المجالس العلمية بسبب ما يعرفه الديوان الملكي من تأخير في عمله. ولا شك أن في سمه هذا، هدما لتلازم العرش والدين في المغرب، ولأحكام الدستور". أن تتولى وزارة الأوقاف ،أو الأمانة العامة للمجلس العلمي الأعلى، تصحيح روايته، رعيا أولا، لآداب المغاربة في التعاطي مع كل ما له صلة بصلاحيات صاحب الأمر الدستورية.
لكن يظهر أنه ما زال هناك تخبط في استيعاب رجة بنحمزة، يطال ضرره في الحد الأدنى العلامة سي محمد يسف الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى. وكل هذا من شأنه المساس بهيبة الدولة، مما يزكي في باب التصدي لهذا الإسفاف، مقاربة "من الحزم سوء الظن"، بالنظر إلى هذا التراخي في ضبط الزمام وإظهار حنة اليد فقط للتمويه، في حالات لا ترقى إلى ما يجترحه بنحمزة من تجاوزات.
إن "مسألة" تفويض الوزير لسلطة التعيين في المؤسسة العلمية، لم تطرح لأول مرة. فقد سبق أن وقفنا عليها في "أنفاس بريس"، مرتين في نوفمبر ودجنبر سنة 2020، بمناسبة تعيينات المجالس العلمية آنذاك.
مما يبين أن هناك جهات أصولية رسمية، ومن خلال مقاصد ابن تيمية في دليل "سبيل العلماء"، هي التي تسعى وبكل سرية، لتجريد صاحب الأمر من صلاحياته الدينية، في حين أن تعبيرات المجتمع هي التي تدافع عن أحكام الدستور في هذا الباب.
لا شك أن ما صرح به بنحمزة، بالنظر إلى مسؤوليته، يستدعي وقفة للمساءلة:
أولا، تعيينات وزير الأوقاف للعلماء، التي يتم الترويج لها كل مرة، تحتاج إلى ظهير التفويض، وتغيير الدستور. وهذا يحتاج إلى نقاش دستوري وسياسي شفاف، وليس إلى تمريرات دهاليز الظلام، كلما مرت البلاد بانشغالات ظرفية !
ثانيا، لما يتم ربط حيثيات هذا التفويض بادعاء تعثر عمل الديوان الملكي، فهذا مسيء جدا للإدارة الخاصة لصاحب الأمر. فمثلا هل سينجح التوفيق بالتقنوقراط والأصوليين، فيما عجز عنه الديوان الملكي؟
وللإحاطة بأبعاد المعادلة، لابد من وضع "تفصيل" الرهان على احتكار سلطة تعيين العلماء خارج الأطر الدستورية، ضمن الرؤية الشمولية لمخطط التمكين الأصولي. ذلك أن التدبير المخزني للحقل الديني بخلفية معاداته للقوى الديموقراطية، جعل الدولة بكل شرعيتها ومشروعيتها تسقط في فخاخ دعم العقلية الانقلابية في كل شىء.
ومن ثم، فالنزوع الانقلابي يتمتع بأصالة قوة الأمر الواقع. وهنا يقبع شيطان سحرة عسكرة الظاهرة الأصولية.
وتأسيسا على هذا يمكن القول، بأن التعيين بظهائر قد مكن لكل الخوارج عن ثوابت الأمة، على حساب التحملات الحقيقية لمرجعية إمارة أمير المؤمنين، في لعبة لا تخفى أخطاؤها القاتلة، على كل ملاحظ نزيه.
لكن هذا التعيين، وفي مدارات التدافع والنصيحة، يمنح على الأقل، لصاحب الأمر وظيفة دينية ودستورية، لا غبار عليها، انسجاما مع موقع أهل البيت في ميراث النبوة.
لكن تجريده من هذه الصلاحية الجوهرية في خصوصية معمار الدولة المغربية، ستجعله بدون وظيفة دينية تذكر، وبالتالي سيتضح، أن شهية الأصولية في احتكار السلطة لا حدود لها.
وفي انتظار ما ستستقر عليه الأمور لا بد من فتح قوس المقارنة بين مرحلة الأستاذ المدغري، الذي كان -رحمة الله عليه-في مواجهة مفتوحة مع القوى الديموقراطية. وبين ذات المواجهة التي ينهجها الأستاذ التوفيق من بعده، لكن بكيفية سرية، مع الاستهداف الأساسي في عهده، للصلاحيات الدستورية، لصاحب الأمر في الحقل الديني.
أكيد أننا لن نغلق القوس، أمام هذا العبث، لأحكام نهائية، حتى نمنح للأمل في الإصلاح، بدون تدليس، فرصته الوظيفية في تأطير الاستحقاقات المفترضة للعهد الجديد، من منطلق المشروع المجتمعي الحداثي الديموقراطي لصاحب الأمر. وعلى الله قصد السبيل!