على بعد ثلاثة أسابيع من عيد الأضحى، بدأ المغاربة يضعون أياديهم على قلوبهم خوفا من نضوب الجيب، واضطرارهم إلى قضاء شهر يوليوز القادم بصفر درهم، أو اللجوء إلى الاقتراض من البنوك ومؤسسات السلف. ذلك أن الغالبية تعيش قلقا كبيرا مع "المؤشرات الاقتصادية" التي تذهب في اتجاه أن «الأضاحي» ستشهد ارتفاعا في الأثمنة، لاعتبارات عديدة، وعلى رأسها اضطرار الحكومة إلى استيراد الخرفان من الجارة الإسبانية.
ويرجح الكسابون والمهنيون أن أثمنة الخرفان الصغيرة ستتراوح في المتوسط ما بين 2500 درهم و3000 درهم، بينما سيصل أثمان «الأكباش الجيدة»، وخاصة من نوع الصردي إلى 6000 درهم فما فوق، وذلك بسبب ارتفاع أثمنة الأعلاف، فضلا عن توالي سنوات الجفاف لموسمين متتابعين، مما نتج عنه نقصا كبيرا في رؤوس الأغنام، وهو ما يبرر اللجوء إلى الاستيراد من أجل الحفاظ على القطيع الوطني، حسب ما أوردته وزارة الفلاحة في أكثر من بلاغ.
لجوء حكومة أخنوش، مهندس المغرب الأخضر الذي قال إن مخططه سيخرج بلادنا من الندرة إلى الوفرة ومن «التبعية الغذائية» إلى «السيادة الغذائية»، إلى الأضاحي المستوردة لا يحمل أي تطمين للمغاربة، ذلك أنه لا يتحدث عن أثر الاستيراد على الأسعار: هل سيحد من ارتفاعها؟ ما هو سعر الأضحية الذي يستجيب للقدرة الشرائية للمواطن؟ ما هي علاقة هذا السعر بالحد الأدنى للأجور؟ هل ستسمح الحكومة ببيع أضاحي توازي «السميغ»، بل قد تصل إلى ضعفيه؟
إن سكوت الحكومة عن الأسعار، وسكوتها عن الإجراءات التي ستحد من ضرب القدرة الشرائية، وترك الحبل على الغارب للسماسرة و«الشناقة» للإجهاز على الأمن الاجتماعي للمغاربة، يطرح أكثر من تساؤل ويزيد من حيرة المواطنين، ذلك أنه لم يتلق أي إجابة مُطَمْئِنَة تصب في صالح تمكينه من الأضحية بما يضمن كرامته. فإذا كانت «حكومة صاحب المغرب الأخضر» تعمل على إعادة تشكيل القطيع الوطني، كما يدعي الناطق الرسمي باسمها، فإن ذلك لا ينبغي أن يتم على حساب جيوب المواطن المستنزفة أصلا بسبب تواتر موجات الغلاء، كما ينبغي ألا تبقى «حكومة الكفاءات» في وضعية المتفرج، وعاجزة عن إيجاد حلول عملية وواقعية للأسباب التي أدت إلى ذلك، وهي أسباب بنيوية ترتبط بقطاع الفلاحة، وبفشل المخطط الأخضر الذي أفرز آثارا جانبية تتصل كلها بالغلاء في كل شيء، كما تتصل باللجوء إلى السوق الخارجية.
لقد أخبرتنا حكومة أخنوش أن الطلب المرتقب على الأضاحي يقدر بحوالي 5,6 مليون رأس «منها 5,1 مليون رأس من الأغنام و500 ألف من الماعز»، وأن العرض يصل إلى حوالي 8 ملايين رأس، والحال أن الإشكال ليس في تغطية الطلب، بل في غلاء الأسعار، في ضرب القدرة الشرائية للمواطنين، وفي تبرير ذلك بارتفاع ثمن الأعلاف وتواتر سنوات الجفاف. الإشكال ليس في إعادة التوازن للسوق الوطنية فقط، بل يكمن أساسا في الإجراءات العملية الكفيلة بالحد من ارتفاع الأسعار، وتوفير كل الشروط المناسبة ليمر عيد الأضحى في ظروف سلسلة، دون أن إثقال كواهل الناس بما يفوق طاقتهم، خاصة أن الصيف على الأبواب، مع ما يستدعيه ذلك من «مصاريف العطلة» وما سيليها من إرغامات يفرضها الدخول المدرسي المقبل.
إن الاكتواء المرتقب بنيران أسعار الأضاحي يفرض على حكماء الدولة التدخل على نحو مستعجل من أجل ردم الهوة الساحقة بين الثمن الحقيقي للخروف وذلك الذي يفرضه السماسرة على المواطنين المغلوبين على أمرهم. ذلك أنه لا ينبغي وضع أمننا الاجتماعي والغذائي في قبضة حكومة أصبحت مادة خصبة للتهكم والسخرية عبر كل وسائل الإعلام والوسائط الاجتماعية، خاصة أنها لا تبدع الحلول وغير معنية بأي حل لأي مشكلة، ولا تبرع إلا في تقديم التبريرات المختلة، وفي إلصاق الفشل بالمواطنين الذين لا يتركون «الكفاءات» تعمل في صمت.
تفاصيل أوفر تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية " الوطن الآن"