هل قرر ماكرون شن الحرب على المغرب بيد جزائرية؟

هل قرر ماكرون شن الحرب على المغرب بيد جزائرية؟ لحسن العسبي (يمينا) وصورة تجمع بين إيمانويل ماكرون والفريق سعيد شنقريحة
قد يكون العنوان أعلاه مستفزا ومثيرا (ولربما حتى غير منطقي من وجهة نظر معينة). لكن تفرضُ عددٌ من المعطياتِ الجديدة ضمن فضاءنا المغاربي والغرب إفريقي، ذاتُ ذبْذباتِ توتر عال، عددًا من الإفتراضات السلبية تحليليا، على قدر ما تثير أسئلة قلقٍ غير ممكن تجاوزها أو التقليل من حجيتها. وهي المعطيات التي تفرض استعراض سيناريوهات محتملة (غير قطعية)، توجب علينا من جهتنا المغربية الإستعداد جديا لكل تبعاتها ونتائجها، على كافة المستويات، سواء على مستوى مؤسسات الدولة أو على مستوى المجتمع.

منطلق تلك الأسئلة كامن في إن لم تكن فرنسا ماكرون قررت تجديد بطاريات نفوذها التاريخي المتهالكة بشمال إفريقيا ومنطقة الساحل، عبر بوابة الجزائر، من خلال خيار "الصدمة" (الأشبه بالصدمة الكهربائية لقلب مهدد بالتوقف)؟. وأن المنطلق هو إعطاء الضوء الأخضر لعملية عسكرية جزائرية ضد المغرب؟.
نعم هي أسئلة مقلقة، تَدفعُ إلى طرحها عدد من العلامات المتراكبة بين باريس والجزائر العاصمة منذ غشت 2022، مع زيارة الدولة التي قام بها الرئيس الفرنسي ماكرون إلى صديقه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون (أكبر زعيم أروبي وغربي ظل دوما يعلن دعمه للرئيس الجزائري في خرجات متعددة هو الرئيس ماكرون، وأحيانا في غمز ضد المؤسسة العسكرية الجزائرية نفسها). وتعزز الأمر أكثر يوم استقبل الرئيس الفرنسي قائد القوات العسكرية الجزائرية الفريق سعيد شنقريحة بقصر الإليزي أثناء زيارة الدولة التي قام بها هذا الأخير لباريس ما بين 24 و28 يناير 2023، التي تعتبر أهم زيارة يقوم بها قائد قوات جزائري إلى فرنسا على الإطلاق منذ استقلالها سنة 1962 بدعوة من وزير الدفاع الفرنسي. حيث شكلت تلك الزيارة ما يشبه "الرعاية" الرسمية الفرنسية للقرار الأمني والعسكري الجديد بالجزائر، ضمن طموح لفك ارتباط تلك المؤسسة الحاسمة في دواليب الدولة بالجزائر بالفضاء الروسي إفريقيا.
 
وأيضا ضمن أفق تخويل الجيش الوطني الجزائري لعب دور محوري ميداني يتوافق مع مصالح فرنسا بمنطقة الساحل (أصبح مسموحا للجيش الوطني الجزائري القيام بعمليات خارجية بمنطوق دستور عهد الرئيس تبون). بل لقد ولد السؤال القلق من حينها، خاصة أمام شكل الإحتفالية العمومية برأس السيد سعيد شنقريحة، الذي أُلْبِسَ خوذة قوات الحرس الجمهوري النابليونية، إن لم تكن باريس قد قررت منح الجيش الجزائري الضوء الأخضر للتحرك عسكريا ضد المغرب.

كنا دوما نقول، في كتابات سابقة، إن قرار الحرب بمنطقتنا لن يكون قط جزائريا (لأنها لا تملك لوحدها القدرة ولا الوزن لاتخاذ ذلك القرار اعتبارا لحسابات جيو أمنية جد معقدة عالميا ومتوسطيا وإفريقيا)، وأنه لن يتم في حال تنفيذه سوى ضمن أفق قوة دولية حامية، وضمن حسابات أكبر من الجزائر، قد تعصف باستقلالية قرارها الوطني ضمن أجندات عالمية يُحركها مستوى عال من قوة الضغط. وواضح للأسف أن عددا من الفرضيات والمعطيات تذهب في اتجاه أن باريس ماكرون وفريق المؤسسة العسكرية الفرنسية الجديدة الذي وراءه (سيكون من الوهم عدم إدراك أن الدولة الفرنسية يُصنَعُ قرارها السياسي السيادي منذ العهد النابليوني من قبل الجيش)، قررا أن تعود فرنسا إلى ما ظلت تعتبره مجال نفوذها الجيو استراتيجي متوسطيا وإفريقيا عبر البوابة الجزائرية. إذ كما لو أن الزمن السياسي عند الرئيس ماكرون متوسطيا وإفريقيا، هو ذات زمن سنة 1830 (تاريخ احتلال الجزائر العاصمة)، وليس 2023. 

سيترأس الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مع أول شهر يونيو الجاري اجتماعا لمجلس الأمن القومي للجزائر خصص بلغة البلاغ الرسمي الصادر عنه ل "دراسة الوضع العام في البلاد وعلى الحدود". وحتى يُفهم معنى هذه الجملة وإسقاطاتها، فإنه تجب العودة إلى بلاغ مماثل صدر منذ سنة بالضبط بعد اجتماع مماثل لمجلس الأمن القومي ذاك يوم 8 يونيو 2022، الذي جاء فيه أنه عُقِدَ اجتماعٌ لذلك المجلس "لدراسة الوضع العام في البلاد". بالتالي، فالجديد اليوم في بلاغ اجتماع يونيو 2023، هو إضافة عبارة تداول "الوضع على الحدود". وأن تفسيرات ذلك تجد تأطيرها في ما بعد زيارة السيد سعيد شنقريحة إلى باريس شهر يناير الماضي، وأيضا في رزنامة ما ستفضي إليه نتائج زيارة الدولة للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى فرنسا خلال الأيام القليلة القادمة. 
قد يقول قائل، إن عبارة "الوضع على الحدود" قد لا تعني بالضرورة المغرب، بل إن المخاطر على الجزائر من الناحية الأمنية كامنة جديا في الحدود مع ليبيا ومع النيجر ومع مالي (التي تتقاطع مع قلق باريس من تنامي النفوذ العسكري الروسي بالمنطقة). لكن الجواب قدمه عمليا قرار قائد الأركان الجزائري شنقريحة منذ يومين، حين حرك أجزاء كبيرة من قوات الجيش الجزائري تجاه الحدود مع المغرب عند منطقة بشار وتيندوف، مما يعني لكل لبيب تفعيلا لقرارات اتخدت في اجتماع مجلس الأمن القومي الجزائري لفاتح يونيو الجاري، ذهبت بعض التقارير الصحفية إلى أنه استعداد لتفعيل فتح جبهة مواجهة عسكرية في بداية الخريف القادم مع المغرب، تدشن الباب لعودة فرنسية إلى الفضاء المغاربي والغرب إفريقي كورقة مؤثرة لضبط الإيقاع بين تدافع طموحات بلدان المنطقة (أي كوسيط مُتَحَكِّمٍ وفاعل)، بذات المرجعية التقليدية لباريس الموروثة عن زمن الإستعمار منذ ستينيات القرن العشرين. وهذا لعبٌ بالنار خطير على الجميع وضمنه حتى قرار الدولة الفرنسية نفسه بمنطق حسابات القرن 21. ذلك أن المجال الجزائري - المغربي ليس هو المجال الليبي الذي تعتبر باريس أكبر الخاسرين فيه رغم أنها هي من تزعمت القرار العسكري الغربي لإسقاط نظام القدافي على عهد الرئيس ساركوزي، وأن الفاعلين المؤثرين في الملف الليبي من حينها وإلى اليوم، هم خصومها التقليديون ومنافسوها الأقوياء ضمن المنظومة الغربية من واشنطن حتى موسكو مرورا ببرلين وحتى أنقرة أردوغان (حتى إيطاليا ربحت من ليبيا أكثر من باريس بمسافات).

إن السؤال الكبير، أمام سيناريو مرعب مماثل للعب بالنار في منطقتنا المغاربية، إن لم تكن "مزاجية" الرئيس ماكرون (الذي لا يُنصتُ سوى لصدى يقينياته الخاصة للأسف. والذي يحاول عبثا أن يكون دوغول القرن 21، دون أن يمتلك ولو عشر فطنة ومصداقية زعيم فرنسا الحرة)، قد تجعله يخسر المغرب ولن يربح الجزائر. دون إغفال، كما كتبت صحف فرنسا نفسها منذ شهور، وكما كتب عدد من ديبلوماسييها المخضرمين، أن جمهوريات باريس (دستوريا وسياسيا كأنظمة) تولد أو تسقط في تفاعل وتورط مع تفاعلات وتطورات وأزمات الواقع الجزائري. 

فهل سيُعيدُ التاريخ نفسه مع مجموعة الرئيس ماكرون جزائريا ومغاربيا، لأنه واضح أن باريس تعيش مرحلة انتقال وجودي بشكل قلق ومتوتر غير مسبوق. وهي مرحلة انتقال مفصلية تهدد جديا قيمة فرنسا كقوة عالميا، يخشى بدون أية مبالغة أن يكون تورطها في مخطط الحسابات الجزائرية ضد كل ما هو مغربي (ضمن منطق التنافس والتدافع بيننا وبينهم)، بداية الإنتحار السياسي لها دوليا.

تذهب بعض الفرضيات، إلى أن قرار الفريق سعيد شنقريحة تحريك أجزاء مهمة من الجيش الجزائري (بكل فرقه) صوب الحدود مع المغرب، في هذا التوقيت بالضبط، إنما هو جواب على انطلاق مناورات الأسد الإفريقي بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية في دورتها 19، التي من ضمن أهم مراحلها مرحلة المحبس بالصحراء المغربية، على بعد كلمترات من الحدود مع الجزائر وعن منطقة تيندوف. والتي يتم فيها تجريب استعمال دبابات أبرامز M1A1SA و أبرامز M1A2SEP وصواريخ هايمارز M142 المتطورة، مصاحبة بتحليقات لطائرات إف 16 V. وجميعها أمريكية الصنع. لكن تأويلات أخرى تذهب في اتجاه أن الأمر أبعد من ذلك، لأن نوعية القوات التي تم حشدها بمنطقة بشار (مضادات طائرات وحاملات صواريخ)، لا يتم تحريكها عادة لمجرد استعراض عضلات عسكرية أو مزايدات، بل هي تندرج ضمن مخطط للتصعيد العسكري، غايته مواجهة قوة الآلية العسكرية المغربية الجوية اليوم (الطائرات بدون طيار) التي تكبد عناصر البوليزاريو خسائر ملموسة كلما غامرت للتحرك شرق الجدار الرملي العسكري المغربي بالصحراء المغربية على الحدود مع الجزائر ومع موريتانيا.
إن كل هذه المعطيات والفرضيات، تفرض علينا مغربيا الإستعداد لمواجهة هذا المخطط المركب، الذي واضحة معالم التنسيق فيه فرنسيا وجزائريا (توظف فيه أيضا منذ أسابيع ترسانة إعلامية موجهة بأوجه متعددة، كلها تشكيكية واتهامية ضد المغرب ومؤسساته ورموزه من كندا حتى الدوحة مرورا بباريس وإسبانيا والجزائر العاصمة). كل ذلك ضمن أفق جديد لترتيب العلاقات بين المؤسستين العسكريتين الفرنسية والجزائرية بكامل منطقة الساحل وغرب إفريقيا. مثلما يفرض علينا عدم الإنجرار وراء غايات تهدف فقط إلى فرملة تطور بلدنا كقوة إقليمية صاعدة (اقتصاديا وأمنيا وعسكريا ودينيا) ضمن محيطها الحيوي بغرب إفريقيا وغرب المتوسط، بل التحدي اليوم والمعركة الكبرى مغربيا هي مواصلة المشروع الوطني التنموي بصلابة قرار أكبر. على القدر نفسه الذي يفرض علينا تقوية جبهتنا الداخلية التي هي دوما حجرنا الصلب بأفق وطني راسخ. وأن ندرك بهدوء أن فرنسا ليست فقط جماعة الرئيس الحالي ماكرون، بل هي قوى وطنية فرنسية متعددة وفاعلة ومؤثرة، لنا مغربيا علاقات وازنة مع الكثير منها على كافة المستويات سواء الحزبية أو النقابية أو الأمنية أو العسكرية أو المالية والصناعية والثقافية. وأن لنا مغربيا أوراق ثقيلة في ميزان القرار الداخلي الفرنسي مهم أن نحسن توظيفها، بما يرسخ القناعة في باريس كي تدرك نخبها أن مغرب 2023، ما بعد جائحة كوفيد وما بعد عملية الكركرات وما بعد اعتراف الولايات المتحدة بسيادتنا الوطنية على الصحراء وما بعد منظومة عناصر قوته المالية والتجارية والثقافية مع عمقه الإفريقي، ليس هو مغرب ما بعد مؤتمر الجزيرة الخضراء سنة 1906 ولا مغرب فرض الحماية عليه سنة 1912، ولا حتى مغرب 1981 وأزمته التنموية حينها الخانقة.
هل هو امتحان جديد سيُواجهه المغاربة (دولة ومجتمع) في الشهور القادمة، ضمن حسابات السيد ماكرون الإفريقية بيد السيد شنقريحة؟. كل شيء وارد. وواضح أنه امتحان قدري آخر مغربيا، مفروض أن تقول فيه أجيال القرن الواحد والعشرين كلمتها مثلما قالته أجيال أجدادها وآباءها في محطات امتحانات سابقة. ربما حال لسان المغرب والمغاربة اليوم، يردد ما تقوله واحدة من أجمل قصائد الشاعر الفلسطيني محمود درويش "وليكن لا بد لنا أن نركب العاصفة". أو لربما كما تقول قصيدة الشاعر المغربي محمد الأشعري: "جاهز قرارهم، جاهز رصاصهم. نافذٌ قرارنا: لن تمر المهزلة".