في الزمن الفاصل بين انهيار عمارات شارع المهدي بنبركة، ليلة الجمعة... وبين نهار أمس، انتقل عدد الضحايا من 3 مواطنين إلى 23، وازداد العدد بذلك بما يناهز 800 في المائة‼
من يملأ المساحة بين العدد الأول والعدد الحالي (وهو ولا شك مرشح للارتفاع)، بالمسؤولية؟
والمسؤولية تقتضي الجواب عن السؤال البسيط: لماذا وقع ما وقع، وكيف، ومن سمح بالكارثة؟
أول ما يتبادر إلى الذهن، هو أن انهيار ثلاث عمارات، (اثنتان + واحدة في الواقع)، كلف البلاد كل هذه الوفيات، ونحن في أعلى نقطة من الحداثة المادية في البناء والاقتصاد والتسيير، مبدئيا في الدار البيضاء.
لن نجازف ونطرح السؤال: ماذا كان سيقع لو كانت البنايات في مدن بعيدة، لأن مثل هذا السؤال يفترض بأن المدن التي نقارن بها تصلح فقط لبداهة الموت، وأن ناسها يمكنهم أن يموتوا جماعات وفرادى ماداموا بعيدين عن المركز المالي والاقتصادي للبلاد. كل ما انهال من تراب على الضحايا لم يغط عورة البلاد، ولا غطى على الفضيحة التي تكبر أكبر من عمارات البيضاء كلها.
وثاني ما يتبادر إلى الذهن، هو أن الحجر، في هجومه الأول، كلف البلاد 3 مواطنين أبرياء، لكن بمساعدة الدولة والمسؤولين وبمساعدة الحجر، ارتفع العدد إلى ما نحن بصدد الحديث عنه.
في الفرق بين الهزة الأولى وبين العلاج تقف المسؤولية أكبر من.. القدر!
فالكلاب التي جيء بها، انشغلت بالبحث عن الطعام، إما لأنها صائمة أو لأنها تدربت أصلا على ذلك.
والوقاية المدنية، انتظرت أن تنزل عليها سيارة من السماء، وتبين أن عدد الاحتياطي، بشريا وماديا أقل بكثير من المطلوب في الكارثة..
وما كان للانتظار سوى معنى واحد: أن تكمل الموت عملها، بمساعدتنا.. ومساعدة المسؤولين! وأن يموت الناس، على مهل بعد أن يكونوا قد استنفدوا الشحنة في وفاتهم المحمولة.. تحت التراب.
ما معدل الوفيات لكل عمارة؟
إذا كانت 3 عمارات قدمت كل هذا العدد من الوفيات، فإن معدل كل واحد منها يقارب 8 وفيات.
لنعمم الكارثة، لكي نَرَ المشهد بعين كبيرة: في الدار البيضاء من 4 آلاف إلى 7 آلاف بيت مهدد بالانهيار (مع الفارق في الزمن وفي البناء.. وفي توابل الغش الوطني !!). ويمكن بهكذا قياس أن نتنبأ بأن العدد سيتراوح لا قدر الله، ما بين 32 ألف نسمة، في الحد الأدنى، وبين 56 ألف نسمة في الحد الأقصى. دون أن ندري الوتيرة الزمنية التي ستسير عليها الفاجعة أو الفاصل الزمني بين كارثة وأخرى.
ولنا أن نتفكر هذه الأرقام (قرابة مدن صغيرة)، في مدينة كبيرة مثل الدار البيضاء.
لماذا وقع ما وقع: لأن الغش أصبح رياضة وطنية..
ولأن الغشاشين أصبحوا نخبة وطنية،
ولأن المضاربات أصبحت سلوكا منتجا.. والضحية الموجودة للجواب عن سقوط الضحايا هو عامل بناء أو مقدم حومة..
ولأن المسؤولين الفعليين، الذين يتوصلون بالأخبار في «السمارت فون»، لا يظهرون في المشهد الواضح والعلني..
الفضيحة هو أننا نموت، محاطين بكل الكاميرات وبكل النشيد الضروري لوفاة بطولية، ولا بطولة في السياسة الوطنية.
لا ننتظر شيئا، وهذه هي الفاجعة الحقيقية تصل إلى عمق ما حصل، فلقد سمعنا ملك البلاد يخطب عن الدار البيضاء، ويعدد فوضاها وقصورها وخرابها، ولم تمر سوى أيام معدودات حتى أصر الذين تسببوا في ذلك على أن ينسى الناس ما قيل.
وما زالوا هم أنفسهم من نراهم في كل منعطف وكل جلسة تدبير.
سيظهرون من جديد..
سيتحدثون من جديد..