سعيد جعفر: الذكاء البريطاني في تدبير السياسة الخارجية

سعيد جعفر: الذكاء البريطاني في تدبير السياسة الخارجية سعيد جعفر
بريطانيا ملكية عريقة بممارسات وتقاليد خاصة في الحكم وفي السياسة. يكفي أن دستور هذا البلد عرفي وليس مكتوبا، وأنه في الوقت الذي يسعى الجميع للاحتماء ضمن تجمعات دولية اختار الشعب والساسة الانجليز الخروج من اتحاد أوروبا وتأسيس بريكست خاص بهم.
 
في موضوع العلاقة مع المملكة المغربية تصرفت بريطانيا دوما وفق قواعد القانون الدولي ولهذا كانت كل مواقفها في مجلس الأمن في قضية الصحراء دائما محايدة مع تطور طفيف لصالح مقترح الحكم الذاتي المغربي.
 
ترتبط بريطانيا برابط تاريخي بالعالم الانجلوفوني وتجمع الكومنويلث وتشكل المستعمرة السابقة بريتوريا ورأس الرجاء الصالح محورا مهما ضمن المحاور الاقتصادية والسياسية لها (بريطانيا)، وبالتالي فتدبير هذا المعطى الاقتصادي والسياسي في العلاقة بأقصى شمال افريقيا حيث المملكة المغربية يحتاج جهدا ونفسا وذكاء كبيرا.
 
هل تستطيع انجلترا إعلان موقف سياسي واضح ونهائي من قضية الصحراء لصالح المغرب؟
لا.
لا يمكن وأي قرار كهذا ليس واقعيا ولا يعكس السياسة البريطانية، ومملكة بريطانيا التي احتاجت مائتي سنة من التدرج والتجريب للانتقال من الملكية المطلقة، إلى الملكية التنفيذية، إلى الملكية الاجتماعية، إلى الملكية البرلمانية، لا يمكن أن تجازف بتقاليدها وأعرافها المرعية في تدبير السياسة الخارجية وتعترف دفعة واحدة بمغربية الصحراء.
مفهوم الزمن والدم البارد معطيان حاسمان في السياسة الخارجية للمملكة البريطانية، ويمكن لساعة بيغ بن و السلوك السياسي للطبقة السياسية وللدم البارد للانجليز أن يعكسا عقيدة بريطانيا والبريطانيين في تدبير العلاقات.
 
وهكذا في قضية الصحراء بقيت انجلترا وفية لسلوكها المتماهي مع القانون الدولي ومع بروتوكولات منظمة التجارة العالمية بعد مصادقة وتفويض البرلمان الانجليزي، وتركت الحرية للمعارضة في اللجوء للقانون الدولي والقوانين الوطنية في إلغاء قرارات البرلمان من عدمه.
 
في مواجهة دعوى المعترضين والقاضية استعجاليا بوقف تنفيذ الاتفاقيات ومباشرة دعوى بطلانها لكونها عقدت مع طرف يفتقد للشرعية الشعبية وبالتبعية المشروعية القانونية، أمرت هيئة المحكمة الاستئنافية الادارية بلندن التي عرض عليها النزاع بفتح تحقيق حول صحة دفوعات الطرف المشتكي(منظمة WSC)، واستمعت عن طريق مناديب المحكمة الذين تم تعيينهم بعد توافق مع دفاع الطرف المشتكي( القانون البريطاني يقيد يد المحاكم في تعيين قضاة وأعوانه التحقيق بشكل انفرادي) مع ممثلي السكان باقليم الصحراء في المؤسسات المنتخبة، ولفعاليات المجتمع من جمعويين و مقاولين ممثلي المجلس الوطني لحقوق الإنسان ونشطاء حقوق الإنسان باقليم الصحراء، ليخلص مناديب محكمة الاستئناف الإدارية إلى أن دفوعات الطرف المشتكي ليست ذات جدوى وتفتقد للسند القانوني باعتبار أن سكان إقليم الصحراء موضوع الدعوى فوضوا لممثليهم، عن طريق انتخابات دورية مصادق عليها وغير معترض على نتائجها، تدبير الشأن العام للاقليم وإصدار القرارات المنفذة لذلك بما في ذلك عقد اتفاقيات تجارية مع أطراف داخلية وخارجية.
 
وبناء على هذا العنصر القانوني المنسجم مع القانون الدولي ومع بروتوكولات منظمة التجارة العالمية، والذي يحترم مبدأي الارادة الشعبية و سيادة القرارات الصادرة عن المؤسسات الحائزة على الشرعية الشعبية ومنها الشرعية الانتخابية، رفع مناديب محكمة الاستئناف توصية لهيئة الحكم يفاد منها عدم صحة دفوعات الطرف المشتكي المبنية على عدم شرعية الطرف الثاني المتعاقد معه وهو المملكة المغربية في شخص رئيس الحكومة.
 
وبناء على هذه التوصية وبعد استنفاذ آجال الاعتراض وتسجيله، أصدرت هيىة الحكم أعلاه حكما انتهائيا حائزا لقوة الشيء المقضي به، يقضي بقانونية العقود الخاصة بالاتفاقية التجارية بين المملكة المغربية وانجلترا، مما يسمح بدخول العلاقات بين الطرفين عهدا جديدا من المصالح الاقتصادية والسياسية المشتركة.