الحقيقة التي لا يمكن أن يغفلها التاريخ، ولو تعددت محاولات تشويهه، هي أن المغرب هو الوريث الشرعي الفعلي والميداني للتراث التحرري لإفريقيا.
ليس فقط لأنه كان هو الحاضن الرئيسي لما كان يسمى "المجموعة التقدمية" في القارة، باحتضان المؤتمر التأسيسي لمنظمة الوحدة الإفريقية لتكريس هذا التحرر، وليس فقط لأن كل القادة مروا بترابه وتلقوا دعمه وسلاحه، بل لأن البلاد التي تتعرض وما زالت لهجمات الاستعماريين القدامي والجدد، من بعض أطراف القارة الأوروبية، هي المغرب، وهذه الحقيقة لا يمكن أن نغفلها، وهي ملموسة لا تحتاج إلى فائض من الوطنية كي ندافع عنها، تتناسل منها حقيقة راهنة، وهي أن كل خطوة يقوم بها ملك المغرب في الهنا والآن، هي من صميم أجندة التحرر المطلوب اليوم لضمان استقلالية القرار الإفريقي ورفع الوصاية، بكل أنواعها، عن القدر الوطني لدول القارة، بدءا من قضية المناخ إلى السياسة، ومن الاستقرار والسلم إلى الديبلوماسية، ومن المنبر الديني إلى التعاون الأمني، ومن الاقتصاد إلى الشباب، فهي كلها حاضرة في المنظومة الملكية وحاملة لمشروع ثقافي إفريقي تحرري، لا غبار عليه، يربط السابق باللاحق في معركته من أجل حرية إفريقيا ومخاطبة العالم انطلاقا من الإرث التحرري للملكية المغربية.
لقد تواضع المغرب كثيرا في هذا الباب، لإيمانه بأن القضية كانت وما زالت واجبا أخلاقيا والتزاما روحيا مع أسرته المؤسساتية، ولكن المشاعر البئيسة التي تجعل حفيد مانديلا في خدمة العساكر المستولين على تاريخ ليس لهم، تبعث بالفعل على استعادة المِلكية التقدمية لتاريخ المغرب في إفريقيا، وتاريخ إفريقيا مع المغرب!
وهو مجهود سيكون علينا خلاله مواجهة المزوِّرين والممولين للإفلاس الأخلاقي والساعين إلى إقبار الحقيقة.. والغريب في مشروع سعيهم أنه في المحصلة تواطؤ القوى الاستعمارية القديمة، بلبوساتها الجديدة مع من يضعون أنفسهم ورثة حركات التحرر ورموزها في الجوار البعيد والقريب!
لكن الحقيقة ستعرف طريقها إلى عقول الشباب، الذي خرج مرات عديدة يطالب بإفريقيا الحرة، وهو ينظر إلى تجديد هذا الفعل التقدمي والتحرري في سياسة محمد السادس، وهذه الإرادوية التحريرية في مواقفه وفي "حروبه" القاسية مع عواصم الرعاية الاستعمارية، والتي تعمل للأسف برافعات دول أعلنت استقلالها نظريا، لكنها تبذل ما في وسعها كي تستمر سياسات المستعمر في نشر الفتن وتقسيم الدولة والشعوب وإشعال الحروب والغدر بالمجهود الإفريقي الجماعي..
ولا بأس ألا يقتصر المجهود الحالي للخارجية المغربية على عرض التراث المغربي (من صور ووثائق وأغاني وكتب لمغاربة)، إذ سيكون من المجدي أن يضم شهادات وأفلام لدول أخرى كان فيها رجال مقاومون، لا سيما من الجوار المعادي قريبا وبعيدا، شهدوا بما قام به المغرب.. وهم كثيرون والحمد لله!