في مبادرة غير مسبوقة، وبجرأة الممارس والمفكر معا، وفي لقاء عرف حضورا كبيرا بمدينة أكادير، كشف حسن أوريد، الناطق الرسمي للقصر الملكي سابقا، عن تصور جديد وخارطة طريق لما يجب أن تسير عليه الحركة الثقافية الامازيغية، "قبل نهاية الدقائق الأخيرة من المباراة وتصبح الأمازيغية جزءا من التاريخ المنسي للمغرب ولإفريقيا الصغرى" كما قال، داعيا إلى ضرورة تجاوز الصنمية ووضع منظور جديد للحركة الثقافية الامازيغية. فبعد حديثه المفصل عن جذور بروز الحركة الثقافية الأمازيغية ببلدان شمال إفريقيا، خاصة بالجزائر والمغرب منذ انتفاضة "القبايل" سنة 1963، والانتفاضات المغربية في الريف والجنوب الشرقي وغيرها من المناطق، قال حسن أوريد، مساء يوم السبت 12 يوليوز الجاري في ندوته بأكادير، وفي ساعة من الزمان، ما لم يقال طيلة السنوات الماضية حول الحركة الثقافية الأمازيغية التي حققت الكثير للثقافة واللغة الأمازيغية. إلا أنها للأسف، يؤكد أوريد، كانت سيارة بدون محرك، لأنها كانت تمتطي قطارات تسوقها حركات أخرى، قومية ويسارية أثبتت التجربة فشلها. مضيفا أن الحركة الثقافية الأمازيغية لابد لها من منظور عالمي جديد كي تنقد الأمازيغ والأمازيغية من الانهيار الذي يتهددهما بسبب ركوب هذه الحركة في قطارات مستوردة أثبتت التجربة فشلها. مؤكدا أن الحركة الثقافية الأمازيغية أعادت الاعتبار للغة وللثقافة الأمازيغيتين، ولكن هذا الأمر غير كاف لتجاوز المرحلة الراهنة المتسمة بالركود والجمود.
وبعد أن أبرز اوجه الاختلاف والتشابه بين الحركة الثقافية الأمازيغية ومثيلاتها في العالم، الحركة القومية العربية والترانية في تركيا والصهيونية، كشف عن أوجه الفشل وأسبابه في تجربة القومية العربية وأوجه النجاح التي حققته الحركة الترانية بتركيا التي استندت إلى العلم وحققت ما بلغته تركيا اليوم، وكيف قلدت الحركة الفلسطينية غريمتها الصهيونية في كثير من الأمور مما أسقطها في تناقضات وجعل الحركة الصهيونية تنتصر لفكرة اليهود واليهودية. وأضاف المفكر الأمازيغي أن الحركة الثقافية الأمازيغية رغم ما قدمته للنضال الأمازيغي إلا أنها ظلت سجينة الهوية من خلال مطالبها الثقافية الصرفة دون تملكها لتصور يوحدها ويخرجها من التقليدية وركوب تيارات سياسية تعتقد أنها ديمقراطية وحداثية، ولكن التجربة كشفت عن نزوعها التقليدي المحافظ. ودعا أوريد إلى ضرورة امتلاك منظور واضح يوحد كل مكونات هذه الحركة وفق وعي تاريخي يستفيد من التجارب الإنسانية ويكون جوهره الحرية والديمقراطية والحداثة والانضباط للقيم الكونية كما بلورتها فلسفة الأنوار. وشدد على أن اختزال الأمازيغية في اللغة وحرف التيفناغ غير كاف لبناء مجتمع ديمقراطي يحترم الإنسان ويضمن حقوقه من خلال الاعتراف بالتعدد اللساني واستبدال مطلب الهوية بالشخصية لأن الأولى تبحث عن التميز بينما الثانية تنتصر للثابت.
وفي رده عن عدد من التدخلات حول بعض القضايا المتعلقة بالتضاربات بين الحركة الثقافية الامازيغية واللغة العربية والإسلام ورموز التاريخ المغربي، قال حسن أوريد إن معظم أدبيات الحركة الثقافية الأمازيغية تناولت العلاقة مع الإسلام بسطحية، غير أن النظرة التاريخية الأكاديمية ترى أن الأمازيغ لم يكن لهم أي مشكل مع الدين الإسلامي، بل قاموا بنشره في مناطق خارج المغرب.. ومقابل ذلك عامل العديد ممن يعتبرون أنفسهم غير معنيين بالأمازيغية الثقافة واللغة الأمازيغيتين ورموزهما باستعداء مجاني، ونحن نعتبر كل المغاربة أمازيغ لأن إفريقيا الصغرى أرض أمازيغية، ونحن لسنا بصدد الحديث عن العرق مما يفرض علينا احترام الرموز التاريخية والتاريخ الحضاري للمغرب، إن "تهيا" (الملكة الأمازيغية) وطارق بن زياد ومولاي إدريس شخصيات رسمت تاريخ وحضارة المغرب مما يستدعي توقيرهم، بل وتمجيدهم عوض تحريف تاريخهم وتقزيم أدوارهم. ثم إن تاريخ الأندلس، يضيف أوريد، لا يجوز اختصاره في فترة حكم ملوك الطوائف وفي فترات البذخ والترف، بل استحضار المساهمة الحضارية للمغاربة في تاريخ المنطقة. وقال إن الامازيغ أبدعوا أكثر من العرب باللغة العربية مند القدم، وأعطى مثالا بتجربته، وقال إنه تحدث لأكثر من ساعة بلغة عربية فصيحة دون خطأ، كما تحدث عن تجربة أحد أبرز الوجوه الحركة الأمازيغية بأكادير، الذي كان حاضرا في الندوة، الشاعر مبارك بولكيد الذي يكتب الشعر باللغة العربية كما يكتبه كبار شعراء العرب. وعن التضامن بين الشعوب واحترام حقوق الانسان لا بد لنا ان نستنكر الاعتداءات دون عاطفة ودون أحادية، إدانة اختطاف إسرائيليين وقتلهم وإدانة الغارات على غزة وإدانة الاعتداء على أمازيغ غرداية بالجزائر.. معتبرا أنه لم تعد هناك فلسطين واحدة، بل هناك فلسطينات هنا وهناك. ودعا أوريد إلى تجاوز الصنمية fétichisme. وأنهى مداخلته بقولة للشاعر الفرنسي لامارتينtoute grande idée est un combat والتي تحمل عدة دلالات.
للإشارة ندوة أوريد كانت في سياق الحديث "حول الأمازيغية بعد الربيع الديمقراطي" وهي من تنظيم جريدة "نبض المجتمع" الأمازيغية، بتعاون مع الجامعة الدولية لأكادير. وهذا اللقاء عرف حضورا مميزا من المهتمين والمتتبعين جاؤوا من عدد من المدن بجهة سوس ومن خارجها، كما عرف كذلك توقيع الرواية الجديدة لحسن أوريد "سيرة حمار".
حسن أوريد يوقع "سيرة حمار"