رشيد لزرق: ما كان لمبديع أن يصل إلى موقعه الحكومي لولا المنظومة الحزبية المضطربة

رشيد لزرق: ما كان لمبديع أن يصل إلى موقعه الحكومي لولا المنظومة الحزبية المضطربة رشيد لزرق
هناك قناعة باتت راسخة بكون الفساد لم يعد إستثناء داخل المنظومة الحزبية المغربية. بل أصبحت أيديولوجية الفساد، هي الظاهرة الجامحة التي تمس جل الأحزاب المغربية من يسارها إلى قوى التدين السياسي ، مما يجعل مكافحتها والقضاء عليها، مسؤولية وطنية تقع على عاتق جميع المؤسسات الدستورية.
 كما أن الفساد و ريع الإمتيازات وجهان لنفس العملة الرديئة، التي لطخت مسار الدولة المغربية. و قد حالت دون المضي في تعزيز مسار التحول الديمقراطي الكبير،  و في مواصلة الإصلاحات التنموية.
لذا؛ فان قضية الوزير الأسبق محمد مبديع، تثير شهية أسئلة عدة. بداية من الخصائص المعيبة التي تميز مسار الوزير ذاته. و كذا ظروف وصوله إلى هذا المنصب الكبير. بل؛ أنه قد تراس لجنة العدل و التشريع بمجلس النواب، مما يطرح السؤال المتعلق  بالمحيط السياسي العام و المنظومة الحزبية التي هي في مجملها فاسدة. خصوصا بعد أن حصل توافق مشبوه بين قادة الأحزاب، من أجل منح هذا الموقع الحساس للمتهم محمد مبديع. 
مما بجعل السؤال ممتدا إلى علاقة الأحزاب البرلمانية بالتسيير الريعي الذي ما زال سائداً فيما يخص الشأن الاقتصادي؟!
و لا جرم؛ أننا أمام حالة سياسي حزبي منتخب معتقل، و قد كان يقود حزب الحركة الشعبية بمعية الوزير الأسبق محمد أوزين. و قد استفاد محمد مبديع؛ من تواجده ضمن حكومة بنكيران التي شغل فيها محمد مبدع الوزير المنتدب المكلف بالوظيفة العمومية وتحديث الإدارة في المملكة المغربية. بل أن بنكيران قد أوكل له مهمة تنفيذ البرنامج الذي أطلقته حكومته، لإعادة الثقة بين المواطن والإدارة. و الآن، قد علم الجميع فشل حكومة بنكيران في تأهيل الرأسمال البشري، حيث لم تنجز المراجعة الشاملة للنظام الأساسي للوظيفة العمومية، و لم يبدع الوزير مبديع عدا في تجسيد مقولة بنكيران التافهة : عفا الله عما سلف من الفساد.
إن الوزير محمد مبديع، مثل كثير من وزراء هذه المرحلة، لم يكن ليصل إلى موقعه الحكومي لولا المنظومة الحزبية المضطربة. و التي قد طردت خير الأطر النظيفة، في حين أنها سمحت للكثير من اللوبيات بفرض أسماء لها داخل مؤسسات الدولة المركزية كالحكومة و البرلمان المنتخب. 
و لعل قضية هذا الوزير الفاشل، لَتؤكد استشراء عقليات الفساد داخل الأحزاب، مما يشكل خطرا كبيرا يهدد تابث الإختيار الديمقراطي الذي لا رجعة فيه. ذلك؛ بما أن لا ديمقراطية سليمة، دون أحزاب نظيفة بينما واقع الحال يفضح هيمنة نخب ريعية غير مرتبطة بزمن سياسي محدد. نعم؛ فساد قائم على ثقافة سياسوية، لا تساعد عدا على إسناده و تعميمه و نشره و توسيع نطاقه. إينعم؛ ثقافة حزبية بالية متهالكة، ترتكز على ممارسات شاذة داخل النسق الإقتصادي والإجتماعي، انطلاقاً من بدعة العائلوقراطية و التوريث الحزبي، التي تتعامل مع وصول أفرادها و جماعاتها إلى مراكز القرار، كفرصة للاستيلاء على المال العام وتحويل طابعه القانوني من مال عام إلى خاص!
إذ؛ لا يمكن تصور بداية التقليص من سطوة الفساد و تفكيك منظومته الحزبية، من دون إعتماد إصلاح جذري يطهر المنظومة الحزبية و المجالس المنتخبة من الفاسدات و الفاسدين. لأن تعزيز الديمقراطية وبناء مؤسسات قوية وعدالة مستقلة وإعلام مهني حر وبرلمان ممثل تفرزه انتخابات شفافة، لا يمكن إحقاقها دون أحزاب سياسية نظيفة قوية حاضرة شعبياً. 
إن طبيعة المتهم و وزنه السياسي. كما السياق الذي جاءت فيه المتابعة، هي أمور تعيد طرح سؤال محاربة الفساد بقوة إلى الواجهة وفضاء النقاش العمومي، كي يتحمل البرلمان والأحزاب السياسية مسؤولية كبيرة في ما بات يصطلح عليه: "السيبة الحزبية"، بعد واقعة انتخاب مبديع رئيسا للجنة العدل والتشريع في مجلس النواب بالإجماع.
إن هذه الواقعة تبين أن البرلمان المغربي مازال يسيطر عليه تحالف المصالح، وأن محاربة الفساد مجرد شعار لا تدعمه إرادة تشريعية نظيفة. بدليل أن أعضاء الأغلبية والمعارضة كانوا يعرفون أن مبديع مشتبه فيه بشأن تبديد أموال عمومية ومتهم بالفساد حينما انتخبوه.
فهذا المعطى السلبي. يؤكد على وجود حماية سياسية، ممنوحة من طرف رؤساء الأحزاب للفاسدين و الفاسدات. بدليل أن الإبتزاز الذي مورس، قد أثمر تولي مبديع رئاسة لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، وهي التي ستُشرع للمغاربة القانون الجنائي بجديد الإثراء غير المشروع، مع أدوات مكافحة الفساد. و يا ليت شعري كيف يعقل هذا؟!.
بالتالي: فتحريك الدعوى العمومية في هذا التوقيت بالضبط، يعبر عن الإرادة المستقلة للقضاء المغربي  لمواجهة تسونامي الإفساد الحزبي، أكثر مما هي إرادة سياسية للفاعلين الحزبيين. و أن المسؤولية التقصيرية في ذلك، تتحملها جميع الأحزاب التي صوتت على محمد مبديع بالإجماع.
و سيستمر لدينا أمل في الحكومة الحالية، بما أنها مؤهلة أكثر لمحاربة الفساد، لأنه معروف باستشرائه في أوساط رجال الأعمال و في الإدارات، وبالتالي طبيعة رئيس الحكومة و بعض الشخصيات التي توجد فيها، تعرف مكامن الفساد وطبيعة الخطر المحدق بالوطن.
رشيد لزرق، رئيس مركز شمال افريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية