منذ تولي الملك محمد السادس الحكم صيف 1999، حرص المغرب على تنويع مقاربته بخصوص علاقة المملكة مع شركائها في العالم، وبدل أن يضع المغرب بيضه كله في سلة واحدة (أي الاتحاد الأوروبي عامة وفرنسا خاصة)، اتجه المغرب، انطلاقا من عام 2000، إلى التموقع دوليا ليس فقط بتعزيز علاقاته مع حلفاء أقوياء آخرين (الصين، روسيا، الهند) أو استعادة مجاله الحيوي بالعمق الإفريقي (توقيع 1000 اتفاقية مع دول القارة السمراء في ظرف 20 سنة) أو بالتموقع في خريطة قوات حفظ السلام الأممية عبر الحرص على إرسال بعثات عسكرية مغربية لمختلف بؤر التوتر الدولية، بل وهذا هو اللافت - أن المغرب صار وجهة تخطب ودها أكبر قوة عالمية، ألا وهي الولايات المتحدة الأمريكية.
إذ في ظرف 20 سنة انتقلت العلاقة بين الرباط وواشنطن من اللاتكافؤ إلى "الندية"، وهو ما تعكسه كثافة الزيارات لكبار مسؤولي الدولتين سواء نحو واشنطن أو الزيارات الأمريكية نحو الرباط من جهة، وكذا خصوصية هذه العلاقة التي تدور رحاها حول عصب العلاقة الدولية، أي الأمن والاستقرار، من جهة ثانية. وهو ما يبرز كيف أن المغرب وأمريكا استطاعا بناء علاقة ثقة تقوم على تسخير الخبرات الأمنية والعسكرية المشتركة لمواجهة المخاطر الإرهابية والتحديات الأمنية الكبرى. (انظر شريط اللقاءات والزيارات المتبادلة والتدريبات المشتركة في صفحات الغلاف).
وبقدر ما يراهن المغرب على الدّعم الأمريكي لحشد المزيد من التأييد في قضايا مصيرية بالنسبة لبلادنا (الصّحراء المغربية والتأييد السياسي لمخطط الحكم الذاتي خاصة بعد اعتراف أمريكا بمغربية الصحراء، وبمخطط الحكم الذاتي)، فإن تنامي هذا التّعاون انتقل إلى المجال الإقتصادي، حيث تضاعف رقم المبادلات 5 مليار دولار وسط وعود "بلينكن" في لقاءه الأخير مع المسؤولين المغاربة بتنمية هاته العلاقات الاقتصادية وتحسين جاذبيتها، التي تعزّزت أكثر في مجال مكافحة الجفاف. كما تم الإتفاق على إطلاق شراكة مغربية أمريكية بقيمة 3 ملايين دولار مع مؤسسة «باستور»، ليتعزّز هذا العمل المشترك بمواصلة الدعم الأمريكي في مجالات الطاقة والأمن الغذائي في المغرب، مع وعود بتدريب نحو 6 آلاف أستاذ مغربي بإدماج البيئة في منظومة التربية الوطنية بالمدارس المغربية، وفي التّعليم العالي بالجامعات المماثلة.
وفي قراءة لمسار هاته العلاقات المشتركة خلال العشرين سنة الأخيرة، تفيد الرّسائل التي يحملها التّعاون المغربي الأمريكي وعلاقاته النّوعية المتنامية ما يلي:
ــ الرّغبة في تجاوز منطق استفراد فرنسا وحلفائها بمنطق الدول الإستعمارية لكون المغرب ودول إفريقيا ما تزال القاعدة الخلفية للنظام الفرنسي الذي فشل في تلبية حاجاته الداخلية، وحوّل دولا إفريقيا إلى ملاذ لنهب الثروات ليس إلاّ.
ــ صدّ محاولات التمدّد الإيراني والتغلغل الرّوسي في منطقة شمال إفريقيا من خلال تعاون الأخيرة مع الجزائر عسكريا وتحويلها إلى سوق روسية للأسلحة، فضلا عن التّصدي لكل القلاقل والتوترات التي قد تنجم في منطقة غرب افريقيا المضطربة، خاصة امتدادات منطقة الساحل، حيث ملاذ الجماعات الإرهابية والمتطرّفة: داعش، الغرب الإسلامي، المرابطين..
ــ الحكامة الأمنية الجيدة التي يتميز بها المغرب في شمال إفريقيا والشرق الأوسط بشكل تجعل هذا الامتياز عنصر قوة سمح لأمريكا بتمتين شراكتها العسكرية والاستخباراتية والأمنية مع المغرب لمواجهة التهديدات الأمنية والتحديات الإرهابية.
ــ التعاون المغربي الأمريكي في مجالي التعليم والثقافة من خلال مشروع "ثانوية التحدّي" وإرساء التكوين من خلال خمس مدارس أمريكية تتواجد في مدن المملكة، إلى جانب اتفاقيات في المجال الثقافي ومنح الدراسة للمغاربة في الولايات المتحدة، مما سيساهم في تطوير هذا التعاون، ودعم اللغة الإنجليزية، لكونها لغة كونية، لتقليص تأثير وهمينة اللغة الفرنسية على المنظومة التربوية، في قطاعات التربية الوطنية والتعليم العالي والبحث العلمي.
أسبوعية "الوطن الآن" فكّكت مدخلات العلاقات المغربية الأمريكية ومستقبلها على ضوء التّطورات والمستجدات المتسارعة منذ تولي الملك محمد السادس الحكم، وخاصة خلال العشرين سنة الأخيرة، عكستها أوجه التّعاون الأمني والإستخباراتي والعسكري والسّياسي مما مكّن المغرب من حصد «مزيد من النّقاط» بخصوص قضيته الوطنية الأولى «الصّحراء المغربية»، وفي مواجهة تحديّات الإرهاب والجريمة المنظّمة والإتجار في البشر والهجرة وغيرها من القضايا الحارقة في منطقة دول السّاحل والغرب الإفريقي.
تفاصيل أوفى تجدونه في العدد الجديد من أسبوعية "الوطن الآن"