عتيقة الموساوي: وااا.. أسفي على الفلاح...

عتيقة الموساوي: وااا.. أسفي على الفلاح... عتيقة الموساوي
انتصبت السنابل العطشى تحت سماء شمس حارقة تعلن صيفا غير معلن ضدا عن موعده بين لهيب هبات هواء ساخنة ولفحات أشعة الشمس الحارقة، مررت من بين الحقول أنظر اليها مشفقة، قطفت واحدة وإذ بحباتها فارغة قال لي مرافقي السيد إدريس إنه الجفاف.. قلت حتى لو نزل المطر الآن، قال لم يعد منها فائدة لقد ضاعت كلها، نظرت للحقول على شاسعتها ما بين اخضرار مائل للاصفرار، معلنا عن موسم فلاحي آخر يعصف به الجفاف ..
على مائدة الطعام فوجئت بمضيفنا يضع طبقا من دجاج رومي تساءلت ترى أين الدجاج البلدي الذي كان يسرح هنا وهناك بالعشرات، وتلك الكتاكيت التي تتبع أمها في سمفونية صباح بنقنقة فرح وبزوع فجر جديد، ؟! قال لي لا نعرف ماذا حل بها "ضربوا لخلا" و لم تتبقى منه ولا واحدة..!! وهو يشرح لي أسباب نفوقها، تعجبت كيف أصبح الدجاج هو الآخر عاقرا تعجز البيضة الواحدة عن تفقيص كتاكيت أخرى حية .. لابيض بلدي على الافطار ولا زبدة بقر ولا حليب !! ..هل هو تغير المناخ أم تغير في ماهية وطبيعة البادية.؟!
مع ندرة مياه الوادي القريب أصبح إدريس يضطر لسقي بعض مغروسات البطاطا المقابلة لبيته فوق التلة بمياه الصنبور الذي تم مده به من قبل مصالح المكتب الوطني للماء في إطار تزويد العالم القروي بالماء الصالح للشرب، مما زود عليه فاتورة الماء شهريا، قال إنه بات يشتري حاجياته من الخضر والفواكه من السوق كغيره، فالبطاطس ب 10دراهم للكيلو والفلفل ب 15درهما والبصل ما بين 15درهما و15ونصف، والطماطم هي الأخرى تراوحت للعشرة دراهم، وغيرها حتى الفول والجلبان عجزت عن الإنبات هذا الموسم، بل هي شبه منعدمة فقد ضرب الجفاف محصول الزراعات المعاشية بشكل كبير..الله يرحمنا .. ثم نظر لأشجار الزيتون التي بدأت تْزهر أولى بدورها ويقول إن نزل المطر متأخرا ستُنقَد ثمار الزيتون هذا العام ننتمى من الله ذلك ..
أطلقت بصري على امتداد الحقول بين شجيرات الزيتون المترامية هنا وهناك ورددت معه اللهم رحمنا واسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانتين يأرب.
سألته عن الدعم الفلاحي للفلاح وأين هي المصالح الزراعة المختصة من هذا كله ؟! ضحك وقال شيء واحد الذي استفدنا منه هو مٌطالبتهم لنا بالتسجيل في السجل الوطني بعد إلغاء بطاقة الراميد البديلة للمساعدة الصحية أخذو إسمي واعطوني بدله رقما - أردف ضاحكا- أصبحت رقما يراسلونني على أساسه أنني مدين لهم بمبالغ مساهمة لصندوق الضمان الاجتماعي عن كل شهر بقيمة 120 درهم كواجب إذا ما أردت الاستفادة من التغطية الصحية لي ولأبنائي.. وضحك.. فبدل أن يعطوني المال يأخذونه مني.
طالما، زرت هذه المنطقة بهذا الجزء من البادية المغربية بجبال الأطلس الكبير، وكم هالني منظر الخضرة والمياه الجارية على طول الموسم الفلاحي، كان الخير يتدفق من الأرض وماء السماء ..ولطالما عدت منها بعد زيارة القربى.. محملة بأكياس القمح والشعير الطبيعي وعشرات اللترات من زيت الزيتون الخالص البكر وثمار الفواكه، الزبدة والبيض.. هدية فرح وتزاور.. ولم تخلو المائدة من لحم دجاج ولا الديك البلدي، أسرح وسط الحقول البهيجة بأزهار البابونج الصفراء وبلعمان الحمراء .. وأقطف من هنا وهناك ما تقع عليه يدي من مغروس الفول والجلبان.. وثمار الأشجار المثمرة.
واليوم، ها أنا أنزل مع منعرجات الطريق بسيارتي عائدة خالية اليد أنظرعلى امتداد أرض تصارع خضرتها الاصفرار، عشرات الهكتارات مع أواخر فصل الربيع وبداية فصل صيف ساخن، و حقول لا زالت تتشبث جدورها الرطبة مع أخر التساقطات بالأرض تعاني في صمت رهيب لفحات الشمس الحارقة وتشكو حالها للسماء..
ابتعدت شيئا فشيئا، آسفة على حال تبدل.. وفلاح يعاني من قلة الحيلة في يأس وإحباط يكتوي من غلاء المعيشة ولهيب الأسعار أكثر من أهل المدينة..أرض خصبة معطاءة سخية لطالما ابتهَجْتُ بزيارتي لها، مليئة بسواعد أبناءها تندرهم بهجرتها بحثا عن أسباب رزق بين دروب المدينة، أتأسف لحال فلاح تغير وأتأسف لأرض عطشت وجاعت.