محمد الغالي:زيارات الملك للمدن يجب أن تعكس طاقة إيجابية لدى عموم الناس وليس الإحساس بشعور الإقصاء

محمد الغالي:زيارات الملك للمدن يجب أن تعكس طاقة إيجابية لدى عموم الناس وليس الإحساس بشعور الإقصاء محمد الغالي

كلما حلّ الملك بمدينة إلا وتحركت المجالس والمؤسسات والإدارات لتبليط الشوارع واستنبات الأشجار وتزيين الواجهة.. وكأن الادارة (المنتخبة والمعينة)، لا تعمل وتدبر شؤون المواطنين إلا بقدوم الملك، حيث يتحرك المسؤولون لخدمة المواطن ويستفروا ما لديهم، مما يفضح النفاق الاداري والسياسي لدى هؤلاء المهرولين.

أسبوعية "الوطن الآن"، و"أنفاس بريس" فتحت هذا الملف الحارق الملتهب الذي يكتوي بناره المواطن المغربي ويجسد نفاق الإدارة مع الملك.

وفيما يلي، وجهة نظر محمد الغالي، أستاذ العلوم السّياسية ومدير مختبر الأبحاث القانونية وتحليل السّياسات بمراكش:

كلما حلّ الملك بمدينة إلا وتحركت المجالس والمؤسسات والإدارات لتبليط الشوارع واستنباث الأشجار وتزيين الواجهة.. وكأن الادارة (المنتخبة والمعينة)، لا تعمل وتدبر شؤون المواطنين إلا بقدوم الملك، حيث يتحرك المسؤولون لخدمة المواطن ويستنفروا ما لديهم، مما يفضح النفاق الاداري والسياسي لدى هؤلاء المهرولين.

زيارات الملك للمدن يجب أن تعكس طاقة إيجابية لدى عموم الناس وليس الإحسان بشعور الإقصاء الإدارة من الحماية إلى الاستقلال.

إدارة الحماية حاولت أن تغيّر كل الأنظمة والأعراف والتقاليد التي كانت سائدة في التعامل بين السلطة والمواطنين المغاربة، دون أن ننسى أن طريقة التدبير والتسيير كانت كلاسيكية في السابق، على اعتبار أن السلطان كان يجسّد مختلف السلطات تنفيذية وتشريعية وغيرها. لذلك بعد حصول المملكة المغربية على استقلالها عام 1956، فالبرامج الكبرى التي كانت بمثابة تحديات وعلامات على تكريس السيادة، تمثلت في مشروعي المعربة والمغربة. فكان لا بد من مغربة القوانين، وجعلها متكيّفة مع طبيعة الثّقافة السائدة وقيم المغاربة.

يبقى إلى أي حد استطاعت الإدارة المغربية أن تنجح في هذا الأسلوب، خصوصا وأن الحماية استمرت من 1912 إلى 1956، أي حوالي 44 عاما. من دون شك أن الإدارة بقيت مرتبطة بمجموعة من الضّوابط ذات الطبيعة الفرنسية، بل واننا ما زلنا نعيش عددا من القوانين التي تمت صياغتها بالفرنسية دون اللغة العربية. ممّا طرح إشكالا كبيرا في السيادة على هذا المستوى. لذلك الأجدر هو أن يتم التّحكم في الأمور في الإتجاه الذي يخدم المواطنات والمواطنين المغاربة.

زيارات الملك..إشكال في الفهم

هناك معطى ثقافي أساسي معروف، فالمغاربة معروفون بأنهم لا يتحرّكون بشكل أكثر سخاء، وغير معتاد إلاّ عندما يحل عندهم ضيف. هذا من كرم المغاربة، فثقافة الاحتفاء والإكرام متكرّسة في ثقافة المغاربة، لكنّ القائمين على الإدارة سواء كانوا منتخبين أو معينين لا يجب أن يخلقوا اعتقادا غير مبرر لدى الساكنة، حيث يحسّون بأن هناك مبالغة، ولربّما هناك ضرر لهم. فمادامت زيارات الملك زيارات للاطلاع على أحوال المواطنين والمواطنات، فإن الهدف من تبليط الأزقة وجنبات الطريق وتزيينها يجب أن يعكس شعورا متبادلا وطاقة إيجابية لدى عموم الناس وليس الإحساس بشعور الإقصاء نتيجة سوء تصريف لحفاوة الاستقبال وطقوسها. فيكون الاحتفاء بالضّيف واستقباله مؤطّر بثقافة صناعة القبول وتجديده والنظر إلى مستقبل أفضل، مادام الهدف من زيارات الملك لمختلف الأقاليم هو هدف النهوض بالتنمية. وعليه إن كان هناك اشكال في الفهم فهو يكمن في المسؤولين القائمين الذين لا يفهمون الأمور ولا يتجاوبون بالشكل الصحيح، ولا يفهمون خطب الملك، بل يجب عليهم أن يتفاعلوا بالشّكل المطلوب، وأن يعتبروا زيارات الملك بمثابة زيارات تشكل لحظة للوقوف على ما أنجز وما قدّم لفائدة الساكنة، والقيام بتقييم له من أجل غد أفضل.

نحو تصالح حقيقيّ بين الإدارة ومرتفقيها

الإدارة تتكوّن من موارها المادية والبشرية. والمشكل يكون بشكل كبير مع موظّفين ومستخدمين ينقصهم التّكوين اللاّزم في طريقة الاستقبال والتفاعل، حيث نعرف أنه يتم إجراء مباراة من خلالها يتم الأفضل من النّاحية العلمية والمعرفية، فالشّخص تكون له دراية مهمة، لكن إلى أيّ حدّ سلوكه وفهمه يتطابق مع ما يحمله من معارف ويفكّر فيه.؟

التّصالح الحقيقي بين الإدارة ومرتفقيها أن يكون هناك موظفون ومستخدمون يعون جيّدا أهمية هاته المهمة المسندة إليهم من خلال تحقيق التّواصل الجيّد مع المواطنين. أحيانا يمكن أن تقدّم لك الخدمة وتحصل على ما تريد، لكنّ الطّريقة التي قدّمت بها هاته الخدمة تسوء ما قدّم إليك، ولا تغادرها مرتاحا، لأن الطريقة التي قدّمت بها لم يكن فيها احترام، وكانت فيها عجرفة، ولم يكن فيها أيّ تجاوب إيجابي. وأحيانا تلج الإدارة وتخرج منشرحا منبسطا، لأن طريقة الاستقبال تحسّ فيها كمرتفق بأنه معترف بك ولك قيمة، لكن المشكل عندما يلج المرتفق مرفقا إداريا ولا يحسّ بهذا الدفء التّواصلي.

وأساس الجفاء المطبق والبيّن هو ضعف التّواصل بين الإدارة ومرتفقيها. وهذا الضّعف في هذا التّواصل نتيجة لافتقاد الموظّفين والمستخدمين لهذا الفنّ التّواصلي، ليتكرّس هذا الجفاء، وليظهر أن الإدارة غير مواطنة لا تحترم مرتفقيها، وأنها تسقط في أسر “البيروقراطية” التي تعدّ أحد أكبر العوائق لتحقيق التّواصل السّلس والنّاجع بين الإدارة ومرتفقيها.