أحمد نور الدين: التحركات العربية لإعادة العلاقات مع سوريا.. والموقف المغربي

أحمد نور الدين: التحركات العربية لإعادة العلاقات مع سوريا.. والموقف المغربي أحمد نور الدين
في تصريح جديد ل "أنفاس بريس" قال أحمد نورالدين، خبير في القضايا الدولية، أن تجميد العلاقات بين المغرب وسوريا، ارتبط بسياق دولي وعربي عام، حيث كان هناك اتفاق عربي على تجميد مقعد سوريا بجامعة الدول العربية، في إطار دعم الدول العربية للشعب السوري في ثورته ومواجهة الآلة القمعية للنظام السوري التي تعاملت بشكل وحشي مع المتظاهرين المدنيين مما أدى إلى سقوط الآلاف من القتلى وصل مجموعهم حاليا إلى ما يقرب نصف مليون قتيل، بالإضافة إلى تهجير حوالي 11 مليون سوري من موطن سكنهم الاصلي سواء باتجاه مناطق أخرى داخل سورية نفسها خاصة بالشمال او إلى خارج البلد.
وبالتالي  يعتبر الخبير  أن هذا التوجه العربي كان هدفه دفع النظام السوري إلى التوقف عن التنكيل بشعبه وفتح الحوار مع المعارضة لتأسيس نظام سياسي يجد فيه كل السوريين مكانهم، وكانت هناك بالفعل بدايات مشجعة سواء من خلال مسار جنيف الأممي أو مسار استانا الذي كانت ترعاه تركيا وروسيا وايران، يقول أحمد نور الدين.
وتابع: أحمد نور الدين  أن هذا السياق لم يتغير، والجرائم التي يرتكبها نظام بشار الأسد ضد الشعب السوري ما تزال قائمة، وبالتالي فالأسباب  الكامنة وراء تجميد عضوية سوريا داخل الجامعة العربية لم تتغير بعد، مما يطرح العديد من الأسئلة، حول الدوافع الحقيقية التي جعلت الدول العربية وخاصة السعودية تغير موقفها اليوم.
وحول  تحليله لهذه الأسباب، أشار المحلل السياسي أحمد نور الدين، إلى السياق الدولي الذي يتسم ببداية تشكل محاور جديدة في الشرق الأوسط قد تكون السعودية طرفا فيها مدفوعة في ذلك بإكراهات سياسية وأمنية وجيوسياسية، منها ما هو داخلي محض يهم  يتعلق بالخلافات داخل العائلة الحاكمة نتيجة تداعيات التغير الذي جرى في منصب ولي العهد وما صاحبه من تطورات، ومنها شق آخر يتعلق بالرجة في علاقة مركز القرار السعودي بالتيار المحافظ والعلماء نتيجة سياسة الانفتاح السياحي مثلا والإصلاحات المجتمعية المتسارعة ووضعية المرأة الخ. وهناك اعتبارات أخرى إقليمية تخص الأمن الوطني السعودي الذي اصبح مهددا بضربات ميليشيات الحوثيين التي استهدفت مراكز حساسة مثل حقول النفط وناقلات النفط، والمطارات وحتى العاصمة الرياض. وهناك اعتبارات دولية تهم أساسا الابتزاز الذي تتعرض له الرياض من طرف حلفائها التقليديين وخاصة الولايات المتحدة وأوروبا لأسباب استراتيجية .. ولكنها تتذرع احيانا بوضعية حقوق الإنسان خاصة بعد حادثة خاشقجي وغيرها. 
وأضاف خبير العلاقات الدولية  بأنه قد صادف هذا التوجه السعودي قوى روسيا والصين، اللتين تدفعان باتجاه إعادة ترتيب النظام العالمي، وتسعيان بكل الوسائل إلى تضييق النفوذ الامريكي في الشرق الأوسط والعالم بأكمله، وهذا ما يمكن أن يفسر جزئيا الوساطة الصينية التي افضت الى المصالحة بين السعودية وإيران.
هذا الوضع الأمني أكد المتحدث، هو ما فرض على السعودية البحث عن طريق تهدئة الجبهة الحوثية حماية لأمنها، وهذه الطريق تمر بالضرورة عبر طهران التي تستعمل ورقة المليشيات والفصائل الطائفية لخدمة أجندتها في منطقة الشرق الأوسط.
ولكن طهران يؤكد، أحمد نور الدين  لها أيضا حساباتها الخاصة واكيد أنها تفاوضت حول سلة من القرارات والتنازلات المشتركة مع الرياض في المنطقة بأسرها، وقد يكون على سبيل المثال ثمن تحجيم الحوثيين في اليمن، من بين أمور اخرى،  هو قبول السعودية تطبيع علاقاتها مع سورية، وقد يتقاطع  هذا المطلب مع موسكو أيضا التي كان تدخلها العسكري في سورية حاسما في إبقاء النظام، وقد تكون هناك اوراق أخرى في المفاوضات تهم لبنان وربما البحرين والعراق بالإضافة إلى اليمن.
غير أنه من الناحية الجيوسياسية، أوضح، محدثنا فإن السعودية ليست لها مكاسب كبيرة تجنيها من هذا التحول الاستراتيجي في موقفها من النظامين السوري والإيراني، في الوقت الذي سيتعزز فيه النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط بل وسيصبح لإيران محور أو تكتل يدور في فلكها داخل جامعة الدول العربية بالإضافة إلى مكاسب جانبية مثل تعزيز موقف طهران في مفاوضات النووي وإعطاء إيران فرصة لاستعادة أنفاسها اقتصاديا وسياسيا، وسيمكنها من تحجيم المعارضة الداخلية التي تصاعدت في السنوات الأخيرة بسبب تدهور الوضع الاقتصادي وبسبب التضييق على الحريات العامة كما تابعنا في الثورة النسائية بعد اغتيال السيدة مهاسا اميني تحت التعذيب. 
وأضاف المحلل السياسي، أن هذا النفوذ الإيراني سيزيد من عوامل إضعاف منظومة الأمن القومي العربي، وبالتالي من الصعب تفسير حرص المملكة العربية السعودية على عودة سوريا لجامعة الدول العربية، دون ربطه بهذه المعادلة الجيوسياسية التي تتداخل فيها حسابات موسكو والتطبيع مع طهران وحتى مصالح بيكين في مواجهة واشنطن بالخصوص.
 وفي سؤال حول الموقف المغربي، وموافقة المملكة على عودة سوريا، لجامعة الدول العربية، أوضح أحمد نور الدين، أن المغرب اتخذ موقفه القاضي بتجميد العلاقات الدبلوماسية بين البلدين سنة 2012، في إطار القرار العربي الموحد، ووافق أيضا التوجه الدولي آنذاك الذي كان قد سحب المظلة عن بشار الأسد، وكان الاتجاه يسير نحو اسقاطه بعدما تجاوز "الخطوط الحمراء" التي كانت واشنطن قد وضعتها ومنها استعمال دمشق للاسلحة الكيماوية ضد المدنيين، وكان تدخل طيران الحلف الاطلسي وشيكا لولا تراجع الرئيس الامريكي في آخر لحظة رغم التهديدات التي سبق وأن اطلقها هو وحلفاؤه ومنهم فرانسوا هولاند، رئيس فرنسا آنذاك، وفي ذلك دليل آخر على سياسة "المصالح أولا والمبادئ آخرا" والكيل بمكيالين الذي تنهجه الولايات المتحدة وأوروبا.
وتوقع المتحدث أن المملكة المغربية، قد تساير الموقف العربي إذا كانت اغلبية الدول داخل الجامعة العربية ترغب في عودة دمشق لشغل كرسيها من جديد.
وإن كان المتكلم قد اعتبر أن الموافقة على عودة سوريا دون شروط سيشكل،  خطأ دبلوماسيا وسياسيا واخلاقيا فادحا سواء من قبل  الدول العربية أو المملكة المغربية، خاصة وأن الوضع لم يتغير داخل سوريا، ولم يتم التوصل إلى حل ينهي الحرب وينهي مأساة الشعب السوري ويضمن حقوق المهجرين وحقوق المعارضة، وبالتالي الموافقة على عودة النظام ستكون بمثابة مكافأة للنظام على سياسته في إبادة الشعب السوري بالكيماوي وبراميل البارود التي مان العالم شاهدا على فظاعتها، وستكون الدول العربية قد تخلت عن الشعب السوري في منتصف الطريق لحصوله على الحرية والديمقراطية، دون أي تنازل من النظام، ودون أدنى مشروع مصالحة مع المعارضة، وهذا أمر فيه خذلان لشعب بأكمله يطالب بالحرية والكرامة وفيه تبخيس لتضحيات هذا الشعب، وهو امر لا يشرف الدول العربية أمام التاريخ. 
واعتبر خبير العلاقات الدولية أن المخاطر المحتملة بالنسبة للمغرب في حال عارض عودة دمشق إلى الجامعة العربية واستئناف العلاقات معها،  لا تتجاوز امكانية اتخاذ النظام السوري موقفا راديكاليا تجاه القضية المقدسة للشعب المغربي والمتمثلة في الصحراء المغربية.
إلا أن أحمد نور الدين استبعد ذلك نظرا لكون النظام السوري لم يتجاوز في السابق، قبل أحداث الربيع العربي، فتح مكتب  لجبهة "البوليساريو" الانفصالية في دمشق، ولم يصل أبدا إلى الاعتراف بالكيان الوهمي في تندوف، رغم الضغوط والإغراءات الجزائرية الرهيبة.
فالاعتراف بجمهورية تندوف يتعارض مع إيديولوجية حزب البعث الحاكم في سوريا، القائمة أساسا على الفكر القومي والدعوة إلى الوحدة العربية وليس إلى تقسيم الدول العربية وتشجيع المنظمات الانفصالية.
وتحدث نور الدين عن الأوراق التي يملكها المغرب، ويستطيع توظيفها المغرب، في حال عملت الحكومة السورية على استفزاز المملكة المغربية بتخطي الخطوط الحمراء واعترافها بالكيان الوهمي في تندوف، فإن الرباط يمكنها في إطار مبدأ التعامل بالمثل أن تقدم الدعم المباشر والواسع لفصائل المعارضة السورية وتدعم الثورة السورية، وتوفر لها الدعم السياسي اللازم، كما يمكن للمغرب أيضا في إطار "العين بالعين والبادئ أظلم" أن يعترف بالمعارضة الكردية المطالبة بالإنفصال عن النظام السوري، وإن كان ذلك لا يتماشى مع سياسة المغرب الداعمة لوحدة وسلامة أراضي الدول، ولكن للضرورة أحكام. 
لكل هذه الاعتبارات لا يظن  الخبير أن النظام البعثي سيتجاوز الخطوط الحمراء بالنسبة لملف وحدتنا الترابية، وإن كان كل شيء ممكنا في عالم السياسة. 
ونبه المتحدث ذاته  إلى أن الجزائر تسعى بشكل كبير إلى عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، حتى تكون لها يد بيضاء على دمشق توظفها في ابتزاز موقف معادي للمغرب، كما تثبته ممارسات الدبلوماسية الجزائرية ضد مصالح المغرب طيلة نصف قرن.  
وفي ختام تصريحه شدد خبير العلاقات الدولية، أن سياسة المغرب كانت دائما تتبنى الحياد وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وكان المغرب دائما حريصا  على التوافق العربي والمصالحة بين الأشقاء لذلك لا يظن أن يتشدد المغرب  بخصوص عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، إذا كان هناك إجماع حول هذا القرار، خاصة وأن المغرب ليست لديه مصلحة خاصة في ذلك غير مصلحة وواجب دعم الشعب السوري. وان كان الخبير  شخصيا لا يوافق على التضحية بالشعب السوري بعد كل هذه التراجيديا التي كتبها بدماء ودموع ومعاناة كل  أبنائه طيلة اثني عشر عاما، خاصة وأن المغرب كان سباقا في الوقوف إلى جانب الشعب السوري واحتضن في مراكش المؤتمر الرابع لأصدقاء الشعب السوري الذي حضرته في دجنبر  2012 ازيد من 100 دولة وكل المعارضة السورية. لأجل كل ذلك كان على الدول العربية أن تشترط على الأقل قبول دمشق بمسار أو مشروع للمصالحة وجبر الضرر واقرار إصلاحات ديمقراطية لنظامها السياسي مقابل عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية.