أنا لست عضوا في أي حزب سياسي ولم يراودني أبدا هذا الإغراء . كما أنني لا أتوفر على بطاقة الصحفي المهني منذ تقاعدي في عام 2010، إذ لم أتقدم بطلب للحصول على هذه البطاقة لكوني أعتقد أنه ، بعد 33 عامًا من الخدمة في هذه المهنة النبيلة ، لا ينبغي لي أن أدلي بطلب في هذا الشأن أو بسجل السوابق العدلية، علما بأنني لازلت ، ولله الحمد ، أنتج ما بين مقالتين وثلاث مقالات وتحليلات في الأسبوع ، أنشرها في مواقع إعلامية إلكترونية مغربية. لن أتقدم أبدًا بطلب للحصول على بطاقة صحفي شرفي التي تمنح للصحفيين القدامى . فأنا أعتقد أنني، اعتبارا لمسيرتي الطويلة في هذا المجال ، كمآ هو شأن زملائي الآخرين الذين عاشوا ويعيشون حصريًا من هذه المهنة ، أستحق البطاقة بدون أي إجراءات . لقد أثبت خلال هذه السنوات الثلاث عشرة أن بإمكاني العيش ، كصحفي ، بدون بطاقة صحفية مهنية وبدون تزكية من أي هيئة كانت، وبالأحرى من هيئة أطعن في وجودها والتي تم إحداثها في ظروف مشبوهة من منظور القواعد الديمقراطية والأخلاقية.
إني لا أزال مقتنعا بأن النهج والمقاربة المعتمدين حتى الآن في تنظيم هيئات الصحفيين والناشرين ما زالت تفتقد إلى التماسك والإنسجام والمنطق . فتنظيم المهنة يبقى ، في رأيي المتواضع ، من اختصاص مهنيي القطاع وحدهم . بالتأكيد ، ستكون مساهمة السلطات العمومية موضع ترحيب من أجل إرساء هياكل هذه الهيئات على الأرض ، ويستحسن أن يكون ذلك في شكل إعانات عمومية رسمية.
ما زلت أعتقد أن السلطات العمومية بالغت في تقدير قدرات المجلس الوطني للصحافة، سواء في شكله الحالي أو في نسخته الجديدة ، أي اللجنة ، على وضع حد أو على الأقل التخفيف أو التأثير في تقارير بعض الهيئات الدولية ، لصالح المغرب (وزارة الخارجية الأميركية، فوربيدن ستوريز ، منظمة العفو الدولية ، وهيئات أخرى) ، وذلك فيما يتعلق بحرية الصحافة والتعبير وظروف عمل الصحفيين في المغرب.
ومن المفارقات أن حملات هذه الهيئات تضاعفت منذ إنشاء هذا المجلس بالتحديد ( بيغاسوس، البرلمان الأوروبي ، وزارة الخارجيةالأميركية). أعتقد أن الحكمة كانت تفرض علينا تعزيز مصداقية الصحفيين المغاربة من خلال تشجيعهم على تتنظيم أنفسهم في هياكل مستقلة عن السلطة السياسية وعن سلطة المال.
إن الملاحظين الأجانب يعتبرون أن الإنتخابات الحرة والشفافة لمجلس مستقل لأخلاقيات المهنة هي المقياس الحقيقي لمصداقية وشعبية ووزن ومكانة المؤسسة التمثيلية للصحفيين. فهذا المجلس هو الذي سيقدم للسلطات العمومية رؤيته ومقاربته فيما يتعلق بممارسة الصحافة في المغرب الذي يفاجئنا اليوم بتجديد الثقة في مكتب المجلس "الراحل" من خلال "اللجنة" الجديدة. ألم يكن من المنطقي ومن الأجدر تجديد المجلس أو تمديد مهمته إلى أجل غير مسمى ، بموجب قانون.
إن القرارات التي تم اتخاذها يكتنفها الغموض وتلقي بظلال من الشك على هذه الهيئة ( الانتخابات لم تجر في موعدها ، تمديد ولاية المجلس لمدة ستة أشهر من أجل تنظيم الانتخابات ، وأخيراً ، التخلي عن كل ذلك وتشكيل "لجنة" مؤلفة من مكتب المجلس "الراحل" لمدة عامين). إن هذا الوضع الذي طبعته لعدة أشهر حالة من الارتباك ، إن لم نقل المراوغة ، لا يمكن تصور وجوده في بلد بحجم المغرب الذي يسير بكثير من الثقة والعزم ، بقيادة جلالة الملك محمد السادس ، في طريق البناء والحداثة والدمقرطة . لقد تمخض الجبل فولد فأرًا.
الطيب دكار، صحفي وكاتب