فقدت الحياة الحزبية والسياسية المغربية رجلا من العيار الثقيل، شاهد على تحولات حزبية وسياسية في التاريخ السياسي المغربي المعاصر، لأنه دخل الملعب السياسي في العقد الأول من النصف الثاني من القرن العشرين.
كان السي الراضي يتقن فن الصمت السياسي، فلا يتكمل إلا لما يكون للتواصل السياسي ضرورة وحاجة.
تابعت الراحل الراضي منذ سنوات في الغرفة الأولى في البرلمان المغربي، أي مجلس النواب، وتابعته أيضا مهنيا كصحافي، لاحقا لما حمل حقيبة وزراة العدل، قبل أن يعود إلى ملعبه السياسي المفضل أي مجلس النواب.
في مجلس النواب جرى تكريم الراحل الراضي بمناسبة مرور نصف قرن على تأسيس البرلمان المغربي، كانت لحظة اعتراف لشيخ النواب المغاربة، ويستحق الرجل هذا اللقب عن جدارة.
وينتمي عبد الواحد الراضي إلى الاتحاديين الذين يشتغلون في صمت، ويتحركون في صمت، لا يبحث عن الظهور الإعلامي، قليل الخرجات الإعلامية، بل نادرها، وفق رؤية الرجل للأشياء.
فيما خصومه السياسيون التاريخيين، فيعتبرون أن الرجل مناضل حزبي له وزنه واحترامه، ولكنه لم يكن يوما في خدمة الجماعة الترابية، في ضواحي مدينة سيدي سليمان، في غرب المغرب، والتي ينال أصوات ناخبيها بانتظام، منذ ستينيات القرن العشرين، إلى أن غادر الحياة، حاملا دائما لصفة عضو في البرلمان المغربي.
في دفتر سي الراضي، مشاركة في الانتقالات السياسية الكبرى مغربيا، من ولادة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، من رحم حزب الاستقلال، أقدم حزب سياسي مغربي، ومن ثم تأسيس الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية اليساري.
وفي سنوات الجمر والرصاص، لما كان حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في المعارضة، حافظ عبد الواحد الراضي على صلات تواصل وثيقة مع الدوائر العليا لصناعة القرار، فكان من صمامات الأمان، إلى جانب الراحل عبد الرحيم بوعبيد، في حمل الرسائل في الاتجاهين.
ينتمي السي الراضي أيضا إلى جيل حكومة التناوب التوافقي، من الذين كانت لهم شجاعة إخراج حزب الوردة من المعارضة السياسية التاريخية إلى الفعل الحكومي وتجريب إدارة ملفات المغرب، بقيادة تاريخية من الراحل سي عبد الرحمان اليوسفي، في لحظة حاسمة في تاريخ المغرب الحديث.
وفي وزارة العدل المغربية، كان الراضي يتحرك بوزن
السياسي الخبير بالملفات، لا يصطدم بأحد، ولا يتخذ قرارات فردية في ملفات ثقيلة، فهو اليساري ولكن أيضا الفاهم للخصوصية المغربية.
في القاعة الكبرى للجلسات في مجلس النواب، اتسم حضور عبد الواحد الراضي بصمت السياسي الخبير، لا يخوض في جدالات عابرة، ولا يطلق الكلام مثل الرصاص الصوتي، يأخذ مكانه، فيتابع أطوار الجلسة.
فلا يوجد في سيرة سياسي عبر التاريخ صفحات بلون واحد فقط، بل ألوان الحياة متعددة مثل قوس قزح، لأن السياسي في الأخير إنسان.
ولكن المؤكد أن جيلا ذهبيا من القيادات السياسية والحزبية المغربية تغادر في صمت واحد تلو الثاني، ويبدو الجيل الحالي سياسيا غير مقنع لا حكوميا ولا في المعارضة السياسية، إلا حالات قليلة ونادرة لا يمكن القياس عليها.